Thursday, June 14, 2007

السجون الأمريكية بيزنس بالمليارات ، بقلم : ضياء الحاجرى ، جريدة أخبار اليوم 9يونيو 2007

صورة من معتقل " جوانتامو " الرهيب


الذى أنشأته وتديره الولايات المتحدة الأمريكية فى كوبا

"المقال"


إذا طُرح هذا السؤال : ما أكبر دولة للحريات فى العالم ، وسيأتى الرد بسرعة : الولايات المتحدة الأمريكية





والسؤال التالى : ما الدولة التى يوجد بها أكبر عدد من السجناء فى العالم بالنسبة إلى تعدادها ، سيكون





الجواب أيضا : الولايات المتحدة الأمريكية





وخلال العشرين عاما الماضية ، زاد معدّل السكان فى الولايات المتحدة بنسبة 20 فى المائة ، بينما تضاعف





عدد نزلاء السجون الأمريكية ، ووصل عددهم حاليا إلى مليونى سجين ، وما زال هذا العدد مرشّحا للزيادة ،فقد





أظهرت إحصائيات أجرتها الحكومة الأمريكية ، حدوث ارتفاع فى جرائم القتل فى الولايات المتحدة خلال العام





الماضى ، وإن كانت معدلات جرائم الاغتصاب والاعتداء قد انخفضت ، كما أظهرت دراسة أجرتها وزارة العدل





الأمريكية ، أن واحدا من كل 37 مواطنا أمريكيا ، تعرّض لدخول السجن أو المراقبة ، وتشكو السلطات من





ارتفاع التكاليف التى تتحملها الميزانية العامة من أجل الإنفاق على المساجين ، فعلى سبيل المثال ، تبلغ التكلفة





الإولية لإنشاء زنزانة تتّسع لفرد واحد ، مائة ألف دولارسنويا ، وتبلغ تكلفة النزيل الواحد داخل السجن نحو 25 ألف دولارسنويا





كما أن تكاليف إنشاء إدارة السجون ، تكلّف دافع الضرائب الأمريكى 46 مليار دولار سنويا . هناك أيضا التكلفة





الاجتماعية والأخلاقية ، حيث يتشكّك الخبراء فى جدوى عقوبة السجن فى إصلاح المجرم ، حيث إن زيادة عدد





السجناء لم تسفر عن تراجع حجم الجريمة ، كما يثير مفكّرون تساؤلا حول تحوّل الولايات المتحدة الأمريكية





التى ترفع شعار الحرية ، إلى أكبر سجّان فى العالم . وتشير دراسة أخرى إلى أنه فى الوقت الذى تتزايد فيه





فاتورة السجون ، تتقلّص فيه اعتمادات التعليم فى عدد من الولايات . وتوضّح الدراسة إن السبب فى ذلك أن





هناك جهات سياسية وتجارية ، سعت لاستغلال الجريمة ، لتحقيق مكاسب وأرباح . فالسياسيون أصبحوا





يؤيدون إصدار عقوبات أكثر صرامة ضد مرتكبى الجرائم حتى لو كانت بسيطة ، وذلك لكسب مزيد من أصوات





الناخبين ، كما أن وسائل الإعلام ، صارت تدعو إلى مزيد من القسوة والعقوبات الرادعة ضد مرتكبى الجُنح





والجرائم ، وذلك فى إطار البرامج والتغطية المثيرة للحوادث جذبا للمشاهدين . أما الشركات الخاصة التى تدير





السجون ، وشركات الحراسة ، وأصحاب المصالح الذين يستفيدون من زيادة عدد السجناء ، فيعملون على صدور





تشريعات توسّع من نطاق السجون ، وزيادة عدد نزلائها ، فمن المعروف أن خدمة السجون ، تُعد بيزنسا ضخما





فى الولايات المتحدة الأمريكية ، يصل حجم أعماله إلى عدة مليارات من الدولارات ، فهناك شركات تقدّم الرعاية





الصحية للسجناء ، وأخرى تقدم الأغذية والاتصالات ، وغير ذلك من الخدمات ، بل ووصل الأمر إلى أن بعض





القرى التى تعانى من البطالة والركود ، أصبحت تطالب ببناء السجون بها لتنشيط اقتصادها . نتيجة ذلك أن





معظم المساجين ، أصبحوا يقضون فترات عقوبة طويلة خلف الجدران بعد ارتكابهم جرائم بسيطة لم تكن تستحق





نفس العقاب منذ عشرين عاما ، مثل حيازة دراجة مسروقة أو سرقة إطار سيارة ، بل إن بعض خبراء القانون





يقولون إن زيادة عدد المساجين ، لا تعكس زيادة فى معدل الجريمة ، بل تغيّرا فى مفهوم الجريمة وفى الرغبة





نحو مزيد من العقاب . ويقول " فرانكلين زيمرينج" أستاذ علم الجريمة بجامعة " كاليفورنيا " ، إن العقاب





أصبح قرارا سياسيا ، ويتضح ذلك من بداية الاتجاه إلى التوسّع فى السجون الأمريكية ، الذى يرجع إلى فترة





حرب " فيتنام " حيث تفجّرت المظاهرات وأعمال الاحتجاج ضد الحرب فى المدن والجامعات الأمريكية ، مما





اضطر الكونجرس إلى إصدار تشريع لمواجهة الجريمة عام 1968 ، زاد من سلطة الحكومة الفيدرالية فى مواجهة





الشغب فى الولايات المتحدة ، كما خصّص ملايين الدولارات للشرطة المحلية ، ومن يومها ، دخلت الجريمة





إلى اهتمام الحكومة الفيدرالية ، بل والبيت الأبيض أيضا . فبعد انتخاب الرئيس " ريتشارد نيكسون " أضاف





المخدرات إلى قائمة الأعداء البارزين للولايات المتحدة ، وأعلن حربا قومية ضد المخدرات ، وقال فى احدى





خطبه :" إن المخدرات لم تعد قضية تهم الشرطة المحلية فى الولايات المتحدة ، بل تهديدا قوميا خطيرا لسلامة





ملايين الأمريكيين " . وعندما تولّى الرئيس " رونالد ريجان " الحكم ، أصدر قرارا بمضاعفة ميزانية مكتب





التحقيقات الفيدرالى ، وأم بزيادة الإنفاق على السجون ، وتشديد أساليب مكافحة المخدرات . بل إن منافسه فى





انتخابات الرئاسة عن الحزب الديموقراطى عام 1984 ، " والتر مونديل" دعا إلى دخول القوات المسلّحة فى





عمليات مكافحة المخدّرات ، مما دفع بعض المحلّلين إلى القول بأنه بعد انتهاء الحرب الباردة أصبحت المخدرات





هى العدو البديل عن الخوف من الحرب النووية . كما سار كل من " جورج بوش " الأب و " بيل كلينتون " فى





اتجاه إضفاء الطابع السياسى على الجريمة ، أما الرئيس الحالى " جورج بوش الابن " ، فقد أعلن التزامه ببناء





مزيد من السجون . أيضا هناك دور لوسائل الإعلام فى تشديد العقوبات على الجريمة ، ففى إطار التنافس بينها





على جذب المشاهد ، أصبحت متابعة الحوادث والجرائم تحتل مساحات واسعة من البرامج التليفزيونية ، الأمر





الذى أدى إلى خلق شعور بعدم الأمان لدى المواطن الأمريكى ، ومطالبته بعقوبات أكثر صرامة . وهنا تتقدم





التكنولوجيا ، لتقدّم حلا لهذه المشكلات ، وتخفيض النفقات ، ويقدم العلماء نظاما جديدا ، أُطلق عليه اسم " برنامج


المراقبة الإليكترونية " . ويتمثّل فى إطلاق سراح المسجونين الذينن لا يشكّلون خطورة ، مع مراقبتهم بصورة


مستمرة ، عن طريق وضع " إسورة إليكترونية " فى معصم السجين المفرج عنه ، تتصل بأقمار مراقبة صناعية


صغيرة تغطى مساحات المدينة ، بحيث يمكن رصْد جميع تحرّكات السجين واتصالاته ، وهناك أسلوب آخر


للتعامل مع أنواع معيّنة من الجرائم ، مثل الاغتصاب ، حيث يتم زرع مادة كيميائية مهدّئة تحت جلد المسجون


الذى يقضى فترة عقوبته خارج السجن ، بحيث يمكن التحكّم فيها ، وحقنها فى معصمه لتثبيطه عن ارتكاب الجريمة .


ويقول الخبراء إن هذه الحلول التكنولوجية من شأنها التخفيف من اكتظاظ السجون ، وخفض نفقاتها ، ودمج


المسجون فى المجتمع فى محاولا لإصلاحه ، بدلا من عزله وراء الأسوار العالية .


" انتهى المقال من جريدة أخبار اليوم "




0 Comments:

Post a Comment

<< Home