25 ربيع الآخر 1427 ، 23 مايو 2006
اللوبى الاسرائيلى فى الولايات المتحدة ، صاحب خبرة غير عادية فى ترويض الصحافة ، حتى أصبح من النادر أن نسمع أن نقرأ نقدا حقيقيا
لإسرائيل فى وسائل الإعلام . أما فى المقالات الافتتاحية فى الصحف الأمريكية ، فإن القاعدة هى التعليقات الموالية لإسرائيل . والحالة الاستثنائية
هى ظهور بعض سطور توحى بالتعاطف مع فكرة أن العرب قد تكون لهم قضية
"جون ميرشمار" ، أستاذ أمريكى للعلوم السياسية ومدير لبرنامج سياسة الأمن الدولى بجامعة شيكاغو . و" ستيفن والت" ، عميد معهد كيندى
الشهير فى الولايات المتحدة ، وتولّى معهد " كيندى" لشئون الحكم بجامعة " هارفارد " الأمريكية ، نشر الدراسة التى اشترك كل منهما فى وضعها
وأحدثت دويا فى الولايات المتحدة والعالم
وسبق أن تناولت على هذه الصفحة من " الوفد" جانبا من هذه الدراسة ، ولكن قارئا مثقفا طلب منى استكمالها . وكانت الأحداث المتتالية قد شغلتنى
عن القيام بهذا الواجب ، وخاصة بعد تمديد حالة الطوارئ ، غير أن القارئ على حق ، فهو يعرف أهمية وخطورة محتويات هذه الدراسة
" أغلال حديدية تكبل عنق العم " سام" ، وتفرض علينا مواقف محددة وخاصة إزاء قضايا الشرق الأوسط ، بل تفرض علينا العمل ضد مصالح
الولايات المتحدة فى المنطقة وحول العالم ، وهذه الأغلال هى الدعم اللامشروط لدولة إسرائيل
هذه هى الصورة التى يقدمها " ميرشمار" و " ستيفن" ، فى دراستهما عن العلاقة الأمريكية - الإسرائيلية ، وتحمل عنوان
" اللوبى الإسرائيلى والسياسة الخارجية للولايات المتحدة "
ويعرف الباحثان الأمريكيان أن هذا الذى يقولانه يشكّل " جريمة " ، فى المناخ السياسى الحالى فى الولايات المتحدة ، فقد أصبح من المستحيل
توجيه نقد لإسرائيل دون التعرّض للاتهام بالتعصب الأعمى ضد الدين اليهودى
وفى أروقة كونجرس ودهاليز السلطة فى واشنطن ، أصبحت إسرائيل فوق النقد بعد أن أصبح نفوذها الجامح والمتطرّف وغير المكبوح وتأثيرها
على السياسة الخارجية الأمريكية يتجاوز حدود الخيال
" المغامرون " القلائل
لم يبق سوى عدد محدود من " المغامرين " الذين يخاطرون بكل شئ لكى ينتقدوا إسرائيل ، من أمثال بعض المحافظين ، ومنهم
" بات بوكانان" ، ومجلة " المحافظ الأمريكى " ، وفى جبهة اليسار ، أمثال " نعوم تشومسكى " ، و " جور فيدال" ، و " جيمس بتراس" وفى
مجتمع المخابرات هناك " لارى جونسون " ، و " فيليب جيرالدى" ، و " جيمس بامفورد" ، ومن الأكاديميين " جوان كول"
وفيما عدا أمثال هؤلاء ، لا يوجد فى " واشنطن " من يستطيع أن يتحدى اللوبى الصهيونى
والسؤال " القنبلة " الذى يطرحه الباحثان " ميرشمار" و " ستيفن والت " هو : لماذا تنحّى الولايات المتحدة جانبا ، مصالحها لكى تضع فى
المقدمة مصالح دولة أخرى هى " إسرائيل"
ويقول الباحثان إن هذا الموقف غير مسبوق فى التاريخ السياسى الأمريكى ، وهناك من يرى أن هذا الموقف غير مسبوق فى تاريخ العالم
فالقاعدة المعروفة أن الدول غيورة على حماية مصالحها والدفاع عنها ، لماذا إذن تخضع أقوى دولة على الأرض نفسها لنفوذ ومصالح دولة
أخرى لا تبادلها نفس الموقف ، والإجابة فى كلمة واحدة " اللوبى "
" الحليف الجاسوس"
ويلاحظ الباحثان أن إسرائيل تشكّل نقطة ضعف فى الصراع العالمى ضد الإرهاب ، كما يلاحظان أن أمراء الحرب فى واشنطن ، يحاولون الإيهام
بأن إسرائيل قادرة على تقديم المساعدة فى هذه الصراع ، ويتجاهلون أن إسرائيل تجعل المعركة ضد الإرهاب أكثر صعوبة ، والسبب هو الأسلوب
الذى تطبقه فى الأراضى الفلسطينية المحتلّة
ويحاول " اللوبى " الإسرائيلى فى الولايات المتحدة الزعم بأن إسرائيل تقف وحيدة فى مواجهة " الوحوش العرب" ، وهذه أكذوبة ، لأن المعروف
أن إسرائيل هى أقوى قوة عسكرية فى المنطقة
ويحاول " اللوبى الإسرائيلى " أقناع الأمريكيين بأن إسرائيل هى الحليف المخلص ، بينما لم تتوقف عمليات التجسّس الإسرائيلية على الولايات
المتحدة ، حتى بعد فضيحة الجاسوس الأمريكى " بولارد" ، الذى قدّم معلومات خطيرة لإسرائيل
وينشر " اللوبى الإسرائيلى " فى الولايات المتحدة الادعاءات التى تقول : إن إسرائيل هى الدولة الديموقراطية فى المنطقة ، وليست هذه هى
الحقيقة التى يعرفها ملايين الفلسطينيين ، وخاصة الذين يعيشون كمواطنين من الدرجة الثانية داخل الدولة الإسرائيلية
بل إن العنصرية الإسرائيلية تعترض على حصول الفلسطينى على حق المواطنة فى إسرائيل إذا تزوج من إسرائيلية ، بل تمنع انتقاله
إلى إسرائيل
منْ يدفع الثمن
ويستخدم " اللوبى الإسرائيلى " فى الولايات المتحدة مسألة " الهولوكوست" المحرقة النازية ، أثناء الحرب العالمية الثانية ضد اليهود ، لكى يُقنع
الأمريكيين بأن إسرائيل تستحق - لهذا السبب - التأييد غير المشروط
إنه إذا تسديد لفواتير قديمة ، ولكن منْ يدفع الثمن
إن الإسرائيليين يقهرون الآن جماعة بشرية لا علاقة لها بالجريمة التى ارتكبها أوروبيون
وها هم الإسرائيليون يرتكبون الجرائم ، فيقومون بطرد 700 ألف فلسطينى من ديارهم فى عامى 1947 ، 1948
ويعيد الباحثان " ميرشمار" و " ستيفن والت" إلى الأذهان وقائع الإرهاب الصهيونى المنظّم فى حرب اغتصاب فلسطين ، عمليات طرد جماعى
للسكان ، إعدامات بالجملة ، اغتصاب الفلسطينيات
منْ هو الإرهابى
وينقل الباحثان عن أقطاب " اللوبى الإسرائيلى " زعمهم بأن إسرائيل تدافع عن نفسها ضد الإرهاب
وهنا ينقل الباحثان ما كتبه " إسحاق شامير" ، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق ، عندما كان عضوا فى منظمة صهيونية سرية ، فى معرض دفاعه
عن نفس الأساليب التى يستخدمها تنظيم " القاعدة " هذه الأيام
يقول " شامير" :
" فى الحقيقة ، إن الأخلاقيات اليهودية والتراث اليهودى لا يحرمان الإرهاب كوسيلة للقتال ، بل إن للإرهاب دورا كبيرا يلعبه فى حربنا ضد
المحتل " بريطانيا " ، وقد حلّت قوات الاحتلال الإسرائيلية الآن محل قوات الاحتلال البريطانية ، فلماذا لا يقاومها الفلسطينيون "
انتهى كلام " شامير"
والحديث عن التفوّق الأخلاقى لإسرائيل ، أسطورة فى رأى منتقدى اللوبى الإسرائيلى فى الولايات المتحدة
وهم يُجمعون على أنه لا توجد حجج استراتيجية أو أدبية تفسّر الدعم الأمريكى غير المشروط لإسرائيل
والتفسير الوحيد هو قوة " اللوبى" الإسرائيلى التى لا تعادلها قوة أخرى
الخط الأحمر
ورغم وجود خلافات بين مجموعات متعددة داخل الطائفة اليهودية فى الولايات المتحدة حول السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل ، إلاّ أن هناك خط
أحمر لا يمكن عبوره ، وإلاّ كان رد الفعل قاسيا
وعلى سبيل المثال ، فقد وجّه " إدجار برونغمان" ، رئيس المؤتمر اليهودى العالمى ، رسالة إلى الرئيس الأمريكى "بوش " يعلن فيها معارضته
للجدار العازل الذى تشيّده إسرائيل ، لكى يكون بمثابة الحدود الجديدة للدولة العبرية ، ويبتلع مساحات كبيرة من الضفة الغربية . وطالب " برونغمان"
بممارسة ضغط أمريكى على إسرائيل لوقف بناء الجدار
ووجد " برونغمان " نفسه فى مواجهة عاصفة من الهجوم تتهمه بالخيانة ، وأعلنت الشخصيات القيادية فى " اللوبى الإسرائيلى " أنه إذا مارس
رئيس المؤتمر اليهودى العالمى الضغط على رئيس الولايات المتحدة ، فى أى وقت ، لكى يعارض سياسات الحكومة الإسرائيلية ، فسيكون قد
اتخذ موقفا قذرا وفاحشا
وعندما اقترح " سايمور رايش" رئيس المنتدى السياسى الإسرائيلى فى واشنطن ، على وزيرة الخارجية الأمريكية " كونداليزا رايس" الضغط
على إسرائيل لإعادة فتح المعبر الحدودى لقطاع غزة " لاعتبارات إنسانية محضة " ، تحوّل أعضاء " اللوبى الإسرائيلى " إلى قاذفى لهب ضد
الرجل ، وتراجع " سايمور رايش" " معترفا" بأنه أخطأ وأعلن فى نفس الوقت أن كلمة " ضغط" لا مكان لها فى أى قاموس لغوى إذا تعلّق
الأمر بإسرائيل
قوة ضاربة
ولجنة الشئون العامة الأمريكية - الإسرائيلية " إيباك" ، هى الاسم الرسمى "للوبى الإسرائيلى " فى الولايات المتحدة ، وهى متورّطة الآن
فى قضية تجسّس على أمريكا ، ومع ذلك ، فإنها تعد ثانى أقوى قوة ضاربة فى عالم مراكز الضغط فى واشنطن ، بل إن بعض الأمريكيين يبررون
النشاط التجسّسى " للوبى الإسرائيلى " فى أمريكا ، بأنه لا مجال للتجسّس بين الحلفاء
وقد أضاف الإنجيليون ، الذين أصبحوا صهاينة ، ثقلا إلى جهود " إيباك" ، حيث إن اللاهوت الذى يبتناه العديد ممن يطلقون على أنفسهم "
المولودون مرة أخرى " Born again ، يتخذون موقف التأييد غير المشروط لإسرائيل بدعوى أن تجمّع اليهود فى " أرض الميعاد"
إشارة إلى نهاية الزمان ، كما أن " الله " - فى رأى هؤلاء الإنجيليين - يقف إلى جانب إسرائيل
المناقشة المحظورة
وقد برع " اللوبى الإسرائيلى " فى أمريكا ، فى تطبيق " سياسات مجموعات المصالح" ، على نحو لا يضاهيه أى لوبى آخر
فهو يعتمد على اللامبالاة العامة من جانب السكان من ناحية ، وعلى حماس أعضاء " اللوبى الإسرائيلى " فى تملّق أعضاء مجلسى الكونجرس
كسبا لرضائهم من ناحية أخرى
وعلاوة على ذلك ، فإن " اللوبى الإسرائيلى " ، يتمتع بنفوذ فريد فى نوعه ، فلا يقتصر تأثيره على التحكّم فى النقاش الدائر حول الشرق الأوسط
وإنما يمتد ليشمل القدرة على منْع أى مناقشة حقيقية من أن تحدث أصلا
يقول " ميرشيمار" و " ستيفن والت" :
يعمل " اللوبى الإسرائيلى " على أن يكون أى حديث عن إسرائيل بطريقة إيجابية ، عن طريق تكرار الأساطير حول إسرائيل وتأسيسها والدعاية
للموقف الإسرائيلى فى المناقشات السياسية الجارية . والهدف هو منْع التعليقات الانتقادية لإسرائيل من الحصول على فرصة متكافئة للوصول
إلى أسماع الناس فى الساحة السياسية
والتحكم فى النقاش ومساره أمر جوهرى لضمان المساندة الأمريكية ، لأن حدوث مناقشة صريحة للعلاقات الأمريكية - الإسرائيلية ، قد يدفع
الأمريكيين إلى تفضيل سياسة أخرى مختلفة عن تلك التى يريدها " اللوبى "
لعبة التشهير
وهذه العبارة تقودنا إلى فهم سر الفاعلية الاستثنائية " للوبى الإسرائيلى " فى أمريكا ، فهو لا يكتفى بمحاولة التأثير على أعضاء الكونجرس وصنّاع
القرار ، لكى يتخذوا مواقف موالية لإسرائيل ، وإنما يسعى إلى تلطيخ وتشويه سمعة المعارضين لمواقفه وسياساته بغرض نزْع الشرعية عنهم
وتهميشهم ، ووصفهم " أو دمغهم " بأنهم " أعداء للسامية "
وإذا انتقلنا إلى الكونجرس ، فإن إسرائيل " تتمتع بحصانة حقيقية تحميها من أى نقد"
وبعض أعضاء الكونجرس صهاينة إنجيليون ، مثل " ديك أرمى" ، الذى أعلن ذات مرة " أن الأولوية القصوى لديه فى مجال السياسة الخارجية
هى مساندة إسرائيل مهما حدث ، وبصرف النظر عن أى شئ آخر
وينقل " ميرشيمار" و "ستيفن والت" عن " موريس اميتاى" ، الرئيس السابق " لإيباك " قوله :
"ثمة عدد كبير من الأشخاص على المستوى الوظيفى هنا - فى كابيتول هيل " مقر الكونجرس" يتصادق أنهم يهود ، وهم راغبون فى معالجة
قضايا معيّنة فى ضوء يهوديتهم ، إنهم جميعا أشخاص فى موقف يتيح لهم اتخاذ القرار فى هذه القضايا بالنيابة عن أعضاء مجلس الشيوخ و هناك
الكثير جدا من الأمور التى يتم حسمها على مستوى هيئة العاملين " الموظفين " فى المجلس بدعم اللوبى "
انتهى كلام " موريس اميتاى"
تعلمات وآوامر
"ايباك" ، هى قلب نفوذ " اللوبى" فى الكونجرس ، ويستخدم المال لإسقاط المرشحين فى الانتخابات الذين يعتبرهم اللوبى مناهضين لإسرائيل
مثلما حدث مع السناتور السابق " تشارلس بيرسى"
للكاتب والمعلّق الأمريكى " بات بوكنان" عبارة شهيرة هى :
"نحن فى أرض تحتلها إسرائيل"
ويقول " بوكنان" : " النقطة الجوهرية هى أن " ايباك" ، التى هى عميل فعلى لحكومة أجنبية ، تمسك بخناق الكونجرس الأمريكى ، وتعوق حريته
فى التعبير، ولا تجرى فى داخله مناقشة مفتوحة حول السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل "
ويتناول الباحثان " ميرشيمار" و " ستيفن والت" ، بالتفصيل ، اختراق " اللوبى الإسرائيلى " لإدارة كلينتون إلى حد أن الوفد الأمريكى فى مفاوضات
" أوسلو" للسلام ، كان يتلقّى آوامره من " تل أبيب" . وكان المفاوضون الفلسطينيون على حق عندما قالوا : إنهم يتفاوضون مع وفدين إسرائيليين ، أحدهما يرفع علما إسرائيليا ، بينما يرفع الوفد الثانى علما أمريكيا
وأصبحت الأمور أسوأ بكثير مع دخول " بوش " الابن البيت الأبيض ، ولكن لذلك قصة أخرى
" انتهى مقال الأستاذ نبيل زكى من جريدة " الوفد "