Friday, November 09, 2007

عرْض تلخيصى لكتاب الفن والإنسان ، د. عز الدين إسماعيل ، مكتبة الأسرة

الملك مينا موحّد القطرين
مقدمة
عكس الفن ما يموج فى نفس الإنسان من معتقدات دينية ، وما أحاط به من ظروف اجتماعية ، وما استطاعت
بيئته أن توفّره له من خامات ، وما ابتكره الإنسان من أدوات . رحلة الإنسان مع الفن ، هذا ما يعرض له كتاب
الفن والإنسان .
اعتنق الإنسان منذ آلاف السنين العديد من العقائد الدينية وتفتق ذهنه عن صفات يضفيها لآلهته المتعدّدة التى عبدها
ثم جاء الرسل والأنبياء منادين بعقيدة التوحيد ، ,انه لا إله إلا الله ، ثم ذهبوا ، فضاع أغلب ما جاءوا به وتمّ تحريف تعاليمهم
إلى أن جاء محمد بن عبد الله ، خاتم الأنبياء ، صلى الله عليه وسلم ، بالقرآن الكريم ، باعثا عقيدة التوحيد مرّة أخرى ، وتستمر الحياة
وتستمر مغامرات الإنسان مع الفن الذى يعكس فيه معتقده الدينى ، وظروفه الاجتماعية ، ومشاكله النفسيه الخ .
ومن خلال قراءتى للكتاب – التى استمتعت بها جدا – نستطيع أن تحدّد بعض المراحل التى تعيننا على فهم رحلة الإنسان
مع الفن التى لم ولن تنتهى : أولا : فقد عبّر الإنسان بالفن باستخدام أساليب رمزية وواقعية وخيالية وغيرها فى الحضارة المصرية
القديمة وحضارات الشرق الأخرى ، عن الآلهة التى يؤمن بها فى نفسه ، وعبّر كذلك – لاسيما فى الحضارة
الفرعونية – عن نفسه كإنسان وعن أوضاعه الاجتماعية ، وما يحيط به من شجر ونبات وحيوان الخ .
ثانيا : وعبّر الإنسان بالفن باستخدام المعايير الكلاسيكية لدى الإغريق عن آلهته وظروفه وأوضاعه .
ثالثا : عبّر الإنسان بالفن مستخدما النزعة التجريدية ، عن معتقداته العقائدية النابعة من العقيدة الإسلامية فى العصور الوسطى
رابعا : وعبّر الإنسان
بالفن باستخدام المعايير الكلاسيكية الإغريقية عن نفسه فى المقام الأول كإنسان فى عصر النهضة فى أوروبا
خامسا : ثم عبّر الإنسان بالفن عن نفسه كإنسان فى المقام الأول ، دون الالتزام بالمعايير الكلاسيكية الإغريقية
فى : فنى الباروك ، والروكوكو .
سادسا : ثم عاد الإنسان معبّرا عن الإنسان بالتزام المعايير الكلاسيكية الإغريقية فى وقت : دافيد وتلميذه آنجر.
سابعا : ثم انطلق الإنسان بعد ذلك معبّرا عن كل شئ
فى الحياة : الإنسان ، العقيدة ، الطبيعة ، الأحياء ، الجمادات ، النبات ، الحيوان ، الأحلام ، الخيال الخ . واستكشف
كل فنان لنفسه أسلوبه الخاص به فى التعبير عن فنه ، فقد انتهى عصر انتشار أسلوب ما معيّن ، وتجاورت
وتعدّدت وتوازت الأساليب دون أية قيود أو تراث أو سلطة فى
الرومانتيكية
الفن للفن
الطبيعية
الانطباعية
التعبيرية
التكعيبية
الدادية
السيريالية
التجريدية
المستقبلية
وبعد الانتهاء من هذا العرض التلخيصى للكتاب ، فإن لى – صاحبة المدوّنة – كلمة متواضعة ، ودعوة لما أطلق عليه
الكلاسيكية المتحرّرة فيما يخص : الموضوعات ، أسلوب التعبير ، المعايير الجمالية ، العقل أم القلب أم الحدس أم هؤلاء جميعا .
وسيكون التحديث مستمرّا لعدة أيام قادمة بإذن الله تعالى ، نظرا لطول المادة الملخّصة
المصريون القدماء
وليسمح لى الكاتب الكريم أن أعرض عن المصريين القدماء من أحدى الكتب المدرسية
ينقسم تاريخ
مصر القديم إلى عصرين اساسيين هما : العصر الفرعونى الذى استمر قرابة ثلاثة آلاف عام ، والعصر اليونانى – الرومانى
الذى دام حوالى ألف عام .
وحوالى سنة 3200 قبل
الميلاد " ميلاد السيد المسيح " ، استطاع " مينا " ، وهو رجل من صعيد مصر ، من توحيد مصر التى كانت
شطرين . وتمّ تقسيم تاريخ مصر القديمة إلى : الدولة القديمة – الوسطى – الحديثة .
يضم كل
منها عددا من الأسرات . ثم مجئ اليونان والرومان ، ثم مجئ العرب الذى يحتلّ فترة العصور الوسطى " التاريخ
الوسيط من تاريخ مصر" ، ثم تاريخ مصر الحديث والمعاصر . الأفكار العقائدية لدى المصريين القدماء
أولا : تعدّد الآلهة : حتحور ـ تحوت – رع
قدّس
المصرى القديم أنواع من الطيور والحيوانات ، فقد اتخذوا البقرة معبودا لما لمسوه فيها من مظاهر البرّ والرحمة
فاتخذوها مثالا للأمومة وأطلقوا عليها " حتحور".
وأعجبوا بطير من فصيلة أبى قردان ، رأوا فيه الرزانة وهدوء الحركة ، والصبر فى البحث عن الطعام فى الأرض
فعبدوه رمزا للعلم والحكمة ، وأطلقوا عليه " تحوت". ورأوا فى الشمس أروع وأقوى مظاهر الطبيعة لما خبروه
من تأثيرها فى حياة الكائنات ،وانتشر تقديس الشمس ، وأطلقوا عليها " رع" .
ثانيا : الاعتقاد فى البعث والخلود
فمن تقلّب
الليل والنهار ، واختلاف الشمس والقمر ، وتأثير كل ذلك على حرفة المصرى القديمة الأساسية وهى الزراعة
آمن المصرى القديم بفكرة " الاستمرار" . فما يكاد ينقص ماء نهر النيل ، حتى يفيض من جديد . وما لبثت
فكرة " الاستمرار" هذه أن انتقلت من حياة المصرى القديم اليومية إلى أفكاره الدينية ، فآمن بأن روحه سوف
تمتد كذلك بعد الموت ، وأنها ستكون روحا لانهائية خالدة .
ثالثا : الثواب والعقاب
ولأن هذه
الحياة الأخرى لا يعرف المصرى القديم عنها شيئا ، فاستلزم ذلك فى نفسه أن يؤمن بفكرة الثواب والعقاب
فتتم
مكافئة المحسن ،وعقاب المسئ .
أثر الأفكار العقائدية لدى المصرى القديم على الفن
العمارة
وتركّزت أساسا فى : المقابر ، والمعابد ( المعابد الجنائزية – معابد الآلهة ).
ورغم
عظمة مساكن المصريين القدماء وفخامتها ، إلاّ أنها كانت مبنية من اللبن ، أو الطوب غير المحروق ، فلم تصمد
للزمن . ولكنهم وبسبب إيمانهم فى البعث والخلود ، اهتموا بالمقابر والمعابد ، فأنشأوها من الحجر ، فاستطاعت الصمود آلاف السنين حتى يومنا هذا .
أولا : المقابر
تطوّر
بناء المقابر من مجرّد حفرة فى الرمال إلى مصطبة تُبنى فوق الأرض تتكوّن من غرفة أو اثنتين ، ثم وصلت المقابر
لذروة الفن متمثّلة فى بناء الأهرامات ( أهرامات الجيزة – هرم زوسر ). وتميّزت مقابر الفراعنة بالمتانة والفخامة
والجمال عن مقابر بقية الشعب . حيث نظر المصرى القديم لفراعنته بأنهم ضروريون ليقودوا شعوبهم فى العالم الآخر
كما فعلوا فى الدنيا .ونتيجة الخوف من عبث اللصوص ، اتخدت المقابر شكل الأهرامات المتعدّدة الممرات والحجرات والسراديب لتضليلهم
معبدا أبى سمبل - معابد الآلهة
ثانيا : المعابد
أولا : المعابد الجنائزية : أو المعابد الصغرى
حيث تُقام طقوس الجنازة والصلاة على الملك المتوفّى ( معبد حتشبسوت بالدير البحرى غرب الأقصر – معبد
الرمسيوم الذى أقامه رمسيس الثانى غرب الأقصر كذلك ).
ثانيا : معابد الآلهة : أو المعابد الكبرى
حيث قام المصريون القدماء بتأدية شعائر العبادة نحو آلهتهم ( معبد الكرنك وهو أكبر دار للعبادة على وجه الأرض _ حتى الآن
وهو مخصّص لعبادة الأله آمون – معبد الأقصر للإله آمون كذلك – معبدا أبى سمبل ، وتمّ إنقاذهما سنة 1967 بعد أن
هددتهما مياه السد العالى وتمّ نقلهما ) .
النحت
ويصل بين معبدى الكرنك والأقصر ، طريق زُيّن على الجانبين بتماثيل لها أجسام السباع ورؤوس الكباش ولذا يُعرف
هذا الطريق باسم " طريق الكباش ".
هذا بالإضافة لما تركه المصريون القدماء من مسلات وتوابيت وتماثيل مثل : الكاتب المصرى يجلس القرفصاء – أبو الهول – شيخ البلد الخ .

رسم فرعونى يوضّح محاكمة الميّت أمام المحكمة

التى ترأسها أوزوريس

الرسم
قام المصريون القدماء برسم وتصوير كافة مظاهر الحياة من معارك وانتصارات ومعاهدات وتتويجات للملوك

والملكات . وكذلك

رسم "تصوير" للناس البسطاء : الزراع ، العمال ، الصيادون . رسم لكل مظاهر الحياة
الإنسان

الشجر ، النبات ، الحيوان الخ . وبشكل عام ، ضمّ الرسم نوعين : الأول : التصوير على الجدران وتلوينها وساد ذلك

غالبا فى القبور . الثانى : النقش على الحجر وساد ذلك فى المعابد .


رسم فرعونى يوضّح صورة الروح " با" التى
تحلّق أعلى جسد الميّت
قصة المحاكمة
حيث يقف
الميّت أمام محكمة مؤلّفة من اثنين وأربعين قاضيا يمثلون أقاليم مصر ، لمحاسبته على أعماله ، فيأخذ فى سرْد
أعماله الحسنة وما قام به فى الدنيا من أعمال الخير
ثم يبدأ
فى التبرؤ من الآثام المختلفة كالسرقة ، والقتل ، والكذب ، وأكل مال القاصر واليتيم ،وشهادة الزور . حتى إذا ما
انتهى ، يُوزن قلبه بميزان ، يُوضع فى احدى كفتيه القلب ، وفى الكفة الأخرى ، تُوضع ريشة تمثّل الإلهة " ماعت " إلهة الحق والصدق .
فإذا ثقل القلب وهبطت كفته ، دلّ ذلك على أنه شرير وآثم ، فيتم إلقاء قلبه إلى تمساح رهيب يُدعى " كاى" يأكله
ويخلد الإنسان فى الجحيم . وإذا كان القلب خفيفا مثل الريشة فلا تهبط الكفة ، دلّ ذلك على أنه طاهر وبرئ فيعبر إلى الجنة
مومياء الملكة حتشبسوت

التحنيط
على أن
الحساب فى الآخرة يعنى أن يكون الجسد سليما حتى تستطيع الروح أن تتصل به ، فكان فن التحنيط ( من شعائر الاعتقادات الدينية ).
لحفظ الجسد سليما ، فابتكر المصرى القديم فن التحنيط ، ودفنوا جثث موتاهم فى الأماكن النائية فى الصحراء
بعيدا عن الرطوبة ورشح المياه وعبث اللصوص

معبد فيلة ، حيث تُروى قصة إيزيس وأوزوريس

الأدب
عرف المصريون القدماء أنواعا منه
أولا : الأدب الدينى
ولعلّ أبرز
قصة هى قصة الصراع ما بين الخير والشر ، إيزيس وأوزوريس وابنهما حورس " يمثلون الخير " ، وأخيه " ست " يمثل الشر .
ثانيا : الأدب القصصى أو الخرافى
قصة سنوحى – قصة الملاّح التائه
ثالثا : الأدب التهذيبى
بتاح حتب فى الدولة القديمة – آنى ، فى آواخر الدولة الحديثة . ويُقصد به النصح والموعظة الحسنة التى توجهها شخصية بارزة للابن أو التلميذ
رابعا : أدب المديح
تمجيد للفرعون والإشادة به

العرْض التلخيصى لكتاب الفن والإنسان
الفن فى حضارات
( العراق – الهند – الصين – اليابان – الإغريق – الرومان )
العراق

حضارة "ميزوبوتاميا " أو أرض النهرين : دجلة والفرات . وقد تقلّب على هذه المنطقة ممالك كثيرة ، بدأت
بالسومريين الذين جاءوا من " سومر" من مناطق مختلفة من آسيا واستقروا فيها ، وأنشأوا لأنفسهم أقدم حضارة
عرفتها المنطقة . ثم جاء الكلدانيون فبنوا لأنفسهم مدينة " أور" التى كشفت عنها الحفريات فى القرن العشرين
والتى ازدهرت فيها فنون الخزف والنسيج والتطريز ، وقامت فيها العمائر ونهض فيها فن النحت .
ثم أعقب
ذلك ظهور الحضارة البابلية التى عرفت أزهى عصورها فى عهد " حمورابى " ، ثم الحضارة الآشورية ثم عودة
البابلية مرة أخرى ، ثم قيام دولة فارس سنة 539 قبل الميلاد .
العقيدة الدينية وأثرها على الفن
سيطرت
ديانات وآلهة كثيرة على حضارة ارض النهرين ، لكنها أنكرت فكرة " خلود الإنسان " . ولقد عبّرت ملحمة " جلجامش" البابلية
عن هذه العقيدة ، حيث نراه رجل قوى يصرع ثور السماء وكأنه حمل .
ودارت هذه الديانات حول تمجيد الشمس والقمر والأرض ، واقتضت طقوس العبادة ، إنشاء الهياكل العالية ذات
الأبراج ،وتمّ اختراع أشكال معماريةجديدة لم يعرفها الفن المصرى القديم مثل : العقد والقبو والقبة .
على أن
أوضح أثر للعقيدة كان يتمثل فى عمارة الأبراج كبيوت للعبادة ، وكان يزيد ارتفاع بعضها على مائتى متر ، مقسّمة إلى سبع بسطات : الأولى : سوداء اللون وترمز إلى زحل . والثانية : أصغر منها وبيضاء اللون وترمز إلى الزهرة .
ثم بسطة ارجوانية اللون وترمز إلى المشترى . والرابعة : زرقاء وترمز إلى عطارد . والخامسة : قرمزية اللون وترمز إلى المريخ . والسادسة : فضية اللون وترمز إلى القمر . والسابعة : ذهبية وترمز إلى الشمس .
ولما لم تكن هذه الحضارات تؤمن بالبعث ، فقد أهملت شأن المقابر ، على عكس المصريين القدماء .
الأوضاع الاجتماعية وتأثيرها على الفن
من بناء
البيوت ، نستطيع أن نستشف ان المجتمع وقتئذ كان ينقسم إلى طبقتين
الأولى : طبقة العامة من الشعب وكانت تتكوّن منازلهم من طابق واحد . الثانية : طبقة الخاصة ، وكانت تتكوّن منازلهم من طابقين بها شرفات .
الهند
فى كتاب " الفيدا " – كتاب الهند المقدس – نقرأ عن آلهة هندية تمثّل قوى الطبيعة وعناصرها المختلفة : كالسماء
والشمس والأرض والنار والضوء والرياح والماء . وقد أخذت هذه الآلهة أشكالها على هيئة
البشر
بحيث حار الحكماء فيمن عساه يكون منهم هو خالق الكون . ويظهر " بوذا " فى القرن السابع قبل الميلاد لكى
ينشر ديانته التى تقوم على مبادئ : وحدة الوجود ، تناسخ الأرواح ، وتقديس البقرة .
وتدعو
إلى الزهد والتقشف ، ثم أعقب البوذية ، ظهور الديانة البرهمية التى ألغت فى البداية فكرة بناء المعابد وإقامة
الطقوس الدينية ، لكن ذلك لم يستمر طويلا . وأضفت البرهمية على الفن الهندى
القديم طابعا
رمزيا فى الرسومات والمنحوتات ، فقد جعل الفنانون لكل إله من آلهتهم اربعة أذرع ، وجعلوا ل" براهما " أربعة
وجوه ، وجعلوا ل " سيفا " ثلاث أعين ، و " أندرا" ألف عين ، ولهذه الأعضاء المتعدّدة دلالات رمزية على وظائف وقوى خارقة .
الرّقص الهندى
كل حركة
فى الرقص الهندى تحمل دلالة رمزية يفهمها الهندى ، والرقص الهندى قديم الصلة بالديانات الهندية ومنها ذلك الرقص
الذى يُشبه " الباليه " والذى ترجع تقاليده إلى ما قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة ، وارتبط الرقص بالإله " سيفا " – الإله الراقص
الذى تقول عنه الأسطورة أنه أحب زوجته أكثر من نفسه فلما ماتت ، حزن عليها بشدة ، وحمل جثتها ،وطاف بها العالم راقصا سبع مرات .
الأدب المسرحى الهندى
يُعزى ظهور
المسرح الهندى إلى الرّقص ، حيث تم تمثيل مسرحيات تحكى قصص الأبطال والأساطير الدينية .
ويُقال
إن " غاندى " – أبا الهند الحديثة – قد تأثر فى مستهلّ حياته بمسرحية " هريشندرا " ، ذلك البطل الأسطورى
الذى
نذر حياته لخدمة الحق وعانى فى سبيل مبادئه الخيّرة . نستطيع أن نقول إن حضارة الهند كانت حضارة روحية
فى المقام الأول تشيع الزهد فى الدنيا ومبادئ المحبة ، وهى بذلك على النقيض من حضارة أرض النهرين
فيمكن
أن نقارن " جلجامش" البطل البابلى ، بوجهه الصارم ، وقوامه الفارع ، وجمسه الممتلئ ، وعضلاته المفتولة
وهو يصرع كبش السماء كأنه حمل ، وبين تماثيل البراهمة التى أبرزت اناقة الحركة ، ولطف الملامح ، ورقة
الخطوط ، حتى إنه لا نستطيع فى بعض الأحيان أن نقرّر أهذا الذى نراه تمثال إله رجل أم امرأة .
الصين
يمكن رصْد
عدّة مراحل عقائدية مرّت بها الصين كالتالى
: ( أو – دزة ، جيانج – دزة ، الكنفوشية ، البوذية ).
الحكيم أو – دزة
كان أو – دزة ، يديم التأمل فى الطبيعة ، وقد ظهر فى القرن الثالث عشر قبل الميلاد ،وقد انتهى به الأمر لوضع كتابين : القانون ، الفضيلة .
وفيهما
يقرّر أو – دزة مبادءه التى تتلخّص فى : إن الحياة لا تسيّرها فكرة معيّنة من الخير أو الشر ، بل تمضى فى هذا
وذاك بطريقة واحدة ، وما على الإنسان إلا أن يتقبّل حياة المطلق فى سريانها حتى لكأنها حياته ، وألاّ يحاول مقاومة القانون الطبيعى .
الحكيم جيانج - دزة
فسّر
جيانج – دزة المطلق بقوله : إنه الاتحاد الروحى بالكائن الخالد ، الذى يصل بالتأمل إلى الحالة الأثيرية ، ومن ثم
يسمو إلى المكان الذى لا يُعرف فيه ماضى ولا حاضر ، ولا حياة ولا موت . وقد ساعدت نظرة هذا الحكيم
إلى الحياة على نشر الفضيلة بين أهل الصين ، ولكنها وقفت عائقا دون تطوّر الحياة المادى ، فقد تبلورت نظرة
هذا الرجل إلى الحياة بوصفها مجرّد حلم عابر ، والناس جزء من هذا الحلم .
الكنفوشية ومقاومة مبادئ جيانج – دزة
ظهرت
الكنفوشية فى النصف الثانى من القرن السادس قبل الميلاد ( وفى التأريخ لفترة ما قبل الميلاد يتم العدّ تنازليا
من أعلى إلى اسفل حتى نصل إلى القرن الأول قبل الميلاد ثم يبدأ التأريخ لما بعد الميلاد ،ومن ثم ، يظهر جيانج – دزة ، قبل الكفنوشية ).
استهدفت
الكنفوشية إحداث نوع من الرّقى الاجتماعى عن طريق الرقى بالأفراد فزادت العناية بالشعر والموسيقى . فقد رأى
كنفوشيوس إن الشعر والموسيقى خير وسيلة لتهذيب النفوس والرقى بالأخلاق . ولم تقرّ الكفنوشية السلبية ورأت ضرورة مواجهة الشر بالشر .
البوذية
وحين
دخلت البوذية الصين بتعاليمها فى وحدة الوجود وتناسخ الأرواح ، وجدت فى الشعر اساسا لانتشارها .
مدرستان فى الصين
تركزت
المدرسة الأولى فى المناطق الشمالية وغلبت عليها النزعة الأخلاقية والمواضيع الاجتماعية ، فى حين نزعت
المدرسة الثانية فى الجنوب إلى الموضوعات الحالمة ،وما تزال آثار هذا الاتجاه الأخير مسيطرة ، حتى إن الراغبين
فى الالتحاق بالمعاهد الفنية كان عليهم أن يجتازوا اختبارا ، يعبّرون فيه بالرسم عن بيت ما من الشعر .
اليابان
بدأت
الحضارة اليابانية بدخول بوذية " ماهايانا " إليها فى نهاية الربع الأول من القرن السادس الميلادى ، حيث شيّدت
فيها المعابد البوذية على أيدى كهنة ومعماريين وفنيين وفدوا إليها من كوريا . وقد فرضت طبيعة الجزر اليابانية
وما يعتريها من زلازل ، استخدام الخشب بدلا من الحجارة ، الأمر الذى فرض طابع البساطة فى البناء . واحتلّ فن
الرسم مكانته فى اليابان وامتاز بالرّقة فى التشكيل .
الإغريق
ننتقل
من الشرق إلى الغرب ، حيث ظهرت الحضارة الإغريقية ثم الحضارة الرومانية ،ولنبدأ بالإغريقية .
ولننظر
إلى هذا العملاق الواقف بباب المسرح ملفعا بالجلال والعظمة
إنه " بركليس " الذى صنع عصر أثينا الذهبى . فماذا تراه يصنع فى هذا المكان ، إنه يدفع أجر كل مواطن أثينى غير قادر على الدفع لمشاهدة المسرحيات
حتى لا تكون مشاهدتها مقصورة على القادرين دون غيرهم
.
عالم الإغريق العقائدى
عالم
يتقاسمه الألهة والبشر الذين يتحرّكون بتوجيه وعناية من الآلهة التى كثرت عند الإغريق : ذكوراوإناثا وكانوا
يتزاوجون ويُنجبون ، كما كانوا يغضبون ويفرحون ، يعشقون ويكرهون ، يغارون ويتشاجرون
مثلهم
مثل البشر ، وانعكس كل ذلك فى فنهم ، فمثّلوا آلهتهم على صورتهم البشرية . نعرف أن " هرقل" قد وُلد من " زيوس" كبير
الآلهة ، وفتاة جميلة من بنات البشر أعجب بها زيوس وتزوجها ،وكان هرقل نصف إله ونصف إنسان . وهكذا
امتزجت العقيدة الدينية لدى الإغريق بحياة الناس امتزاجا عجيبا ونادرا وحين نقرأ ملحمتى الإلياذة والأوديسة
لشاعرهم " هوميروس " ، يروّعنا التداخل بين عالم الآلهة وعالم البشر على هذا النحو .
وقد نشأ
المسرح الإغريقى معتمدا على الأسطورة فى الاحتفال بعيد الحصاد وعيد الأله " باخوس" إله الخمر . ثم هناك
فنون الرياضة التى برع فيها الإغريق كالسباق ، والملاكمة ،والمصارعة . والتى – الرياضة – نشأت فى
رحاب " زيوس " على قمة جبل الأولمب . ثم ألم يكن الإله " أبولون " راعى الفنون والآداب .
القيم الاجتماعية لدى الإغريق
فى أول
هذه المبادئ ، مبدأ " صالح المدينة " ، الذى يهدف إلى توجيه كل الوان النشاط الإنسانى لما فيه مصلحة المدينة
وتقديم كل فرد لهذه المصلحة على مصلحته الشخصية . فالقادة المحاربون موكلون باستنباط الأفكار التى تُشبع
حاجة أهل المدينة إلى المعرفة والحق والخير . والشعراء والفنانون موكلون بإشاعة الفضيلة وحب الجمال بين الناس . ولقد تفانى الإغريقى فى خدمة مجتمعه .
الصرامة العقلية لدى الإغريق
كان
الإغريقى كبير الطموح ، ولم يقف عند حد المعرفة بالأشياء كما هى ، ولكن رغب فى استكشاف ما يحركها
من قوانين ،ومن ثم كانت الفيزيقا والميتافيزيقا . استكشف الإغريقى كذلك " النسبة الذهبية " ، وهى معادلة
رياضية استخدمت على نطاق واسع فى التصوير والعمارة . كذلك كانت قوانين الشعر الغنائى والملحمى ، وقوانين المسرحية .
يمكن أن
نقول إنه : إذا كان المصريون القدماء قد عبّروا بفنهم أساسا عن فكرة الخلود ، وكانت عناية الفن البابلى والأشورى بالتعبير عن القوة ، وكان الفن الهندى تعبيرا عن وحدة الوجود .
فإننا نستطيع أن نُجمل هدف الفن الإغريقى فى كلمة واحدة : الجمال .
الرومان

حين
انهارت دولة الإغريق عسكريا ، وتحلّلت معنويا ،كان نتاجها قد انتشر إلى كثير من المناطق فى الشرق الأوسط
وشمال إفريقية وامتزج بالتراث الروحى والفكرى والفنى لتلك المناطق . على أن ابرز تاثير كان فى " روما " . ونذكر
تلك العبارة المشهورة التى تقول : إن الرومان قد غزوا الإغريق عسكريا ، ولكن الإغريق عزوا الرومان فكريا .
كان أبرز إنتاج أصيل للرومان ، فى مجال التشريع ، وما زال القانون الرومانى يُدرّس اليوم فى كليات الحقوق
فى العالم . أما فى مجال الفنون ، فأخذ الرومان القوانين التى توصّل إليها الإغريق فى الشعر والرسم والنحت
والعمارة وجعلوها مثلهم الأعلى . ولكن ما نلبث أن نجد شعورا بالتمرّد على قوانين الشعر الإغريقية قديما فالشاعر " تاكتيوس" يدعو
إلى التغيير قبل نهاية القرن الأول قبل الميلاد ، ويقول : عندما تتغيّر الأشياء ، ينبغى ألاّ نعتقد
أنها تتغيّر إلى الأسوأ .
كذلك
استكشف الرومان بعض المواد الجديدة كنوع من الملاط يشبه الأسمنت فى قوته ، وفّرته لهم بيئتهم حيث يكثر الرخام ويتوافر الطين البركانى .
كذلك استخدمت العمارة الرومانية الخطوط المنحنية على عكس العمارة الإغريقية ذات الخطوط المستقيمة . كذلك ظهرت الأقواس والقباب لدى الرومان .
أما موقف الرومان من النحت ، فكان غريبا
فقد كانوا
يعدّون المثّالين من زمرة الخدم ،وكان حكيمهم " سنيكا " يقول : إنا وإن كنا نشيّد التماثيل ، لنحتقر الذين يصنعونها . ولذا
كانت التماثيل الرومانية من صنع الأرقاء او مثالين إغريق للتكسّب ،ومن ثم كانت تكرارا للتماثيل الإغريقية القديمة


النزعة التجريدية فى الفن
الإسلامى فى العصر الوسيط
يمكن أن نقول إن الفن الإسلامى أعم من فن الأربسك . وتدل عبارة "أربسك " على أسلوب زخرفى بعينه نشأ فى بداياته الأولى لدى العرب قبل ظهور الإسلام ثم نما وازدهر واكتسب مضامين روحية بظهور وانتشار الإسلام .
الفنون التشكيلية والارتباط بالمكان
إذا كنا فى استعراضنا السابق وجدنا أن العقيدة الدينية قد أثّرت على الإنسان وانعكس ذلك فى فنه ، إلاّ أن الأمر يبدو مختلفا تماما لدى العرب قبل ظهور الإسلام .
فلم تكشف الآثار عن أى تماثيل أو رسومات أو أى اثر للفنون التشكيلية تنتمى لهذه الفترة باستثناء " الكعبة " البيت الذى أقامه إبراهيم عليه السلام ولم يكن فى عمارته آنذاك ما يلفت النظر .
ولم يكن حجّ العرب إليه خالصا للعبادة ، بل كان مناسبة تجمّع تجارى واجتماعى وسياسى فى المقام الأول . الأمر مثير للدهشة ،لكن ثمة سمات تميّز بها المجتمع العربى قبل ظهور الإسلام أدّت – بشكل أو آخر – لعدم ظهور الفنون التشكيلية فى هذه الفترة ، وأبرز هذه السمات :
أولا : العقيدة الدينية
لم يكن شيخ القبيلة يمثّل اية فكرة دينية لدى العرب ولم يرتبط به أى نوع من القداسة ،ولكن كانت تتوافر فيه صفات الزعامة الدنيوية . كذلك فإن الأصنام التى عبدها العرب كانت
لإشباع الشعور الدينى دون أن تكون فلسفة عقائدية تستوعب الحياة ، والإنسان ،والكون ، والوجود . هذا من ناحية ، ويدلّنا القرآن الكريم أنهم كانوا يعبدون هذه الأصنام
لتقرّبهم إلى الله زلفى – بيْد أنهم توقف كثير منهم عند هذا التقرّب بدليل المقاومة الشديدة التى لقيها محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه الأمر الذى دفعهم لمغادرة مكة إلى المدينة - ، ونذكر فى هذا
المقام واقعة الشاعر " امرؤ القيس " مع صنم القبيلة المسمّى " ذا الخلص" ، حين استشارة – بطريقتهم العقائدية وقتئذ – للخروج لطلب الثأر لأبيه ، فجاءت النتيجة على غير ما يشتهى الشاعر حيث نهاه الصنم عن فعل ذلك .
فما كان من امرؤ القيس إلاّ أن صوّب سهمه نحو الصنم وهو يقول :
لو كنت يا ذا الخلص الموتورا
مثلى ، وكان شيخك المقبورا
لما نهيت عن قتل الأعادى زورا
فالشعور الدينى لدى العرب قبل الإسلام لم يكن قد اهتدى لموضوعه الحقيقى ، كان قلقا ، مضطربا ، ومن ثم خلى هذا العصر من الآثار الفنية التى تعكس تأثّر الإنسان بالعقيدة .
ثانيا : الرعىّ والتجارة
قامت معظم حياة العرب على هاتين الحرفتين ، وهما شكلان من الحياة يستتبعان التنقل فى المكان ، والحركة الدائمة . والفنون التشكيلية على اختلافها ترتبط بصفة أساسية بالمكان .
ثالثا : كراهية العربى للحرف اليدوية
حيث كان يترك للعبيد صنع الأسلحة ، وسروج الخيل والأقمشة وما شابه .
الشعر فنّ زمانى
على أن الذى يلفت الانتباه بحق فى تلك الحقبة – قبل ظهور الإسلام – أن ينشط لدى العرب فنّ واحد ، هو فن الشعر ، فقد تغلغل هذا الطراز القولى فى حياة العربىّ وعكس فيه ما يموج من مشاعر
وقيم وأفكار . ولكن لو رجعنا لطبيعة حياة العربى فى تلك الفترة ، لزال العجب . فقد رأينا أن عاطفة المكان لم تكن قائمة تماما فى نفس العربىّ ، فما كانت هناك زراعة يتعهدها أو معابد دينية يقيم فيها شعائره .
بل كان دائم الحركة . ولعلّ هذه " الحركة " قد أدّت إلى تقوية نزعة " الزمان" فى نفس العربىّ وتحرّره من نزعة " المكان " – كأن تستغرق الرحلة مثلا عدّة ساعات أو أيام أو شهور ، فهذه حركة فى الزمان فى الأساس – ولعلنا نطالع قوله تعالى :" لإيلاف قريش ، إيلافهم ، رحلة الشتاء والصيف ، فليعبدوا رب هذا البيت ،الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف " ، " إيلاف قريش " : أى ائتلافهم واجتماعهم فى بلدهم آمنين .
والشعر ، فن زمانى ، أصوات تشغل حيّزا من الزمن ، لا تحتاج إلى مكان لكى تستقرّ فيه ، على عكس النحت ، العمارة ، الخزف ، النسيج ، التى تحتاج جميعها لحيّز مكانى تُوضع وتستقرّ فيه .
أما القصيدة الواحدة يمكن أن يحفظها آلاف البشر فى ذاكرتهم ويسيروا به دون مشقة حمله . ولذا كان الشعر أنسب الفنون لحياة العربىّ قبل الإسلام .
الإسلام والارتباط بالمكان
جاء الإسلام كفكر عقائدى ، له موقف من الحياة ، الإنسان ، الوجود ، فكرة الله ، تعاملات للبشر ، وعبادات يطالب بها . ولعلّ الصلاة ، كأمر من الله تعالى للمسلم قد أوجد ارتباطا بالمكان . كيف .
ارتبطت الصلاة بالمسجد . وقد بنى الرسول صلى الله عليه وسلم مسجدا فى المدينة على إثر هجرته إليها من مكة لآداء الصلوات الخمس . وقد دعا القرآن الكريم صراحة للمساجد فى قوله تعالى :" إنما يعمُر مساجد الله ،منْ آمن بالله ، واليوم الآخر ، وعمل صالحا ". إذا ارتبط الأمر بالصلاة ببناء المساجد التى تشغل حيّزا فى المكان . فبدأ " المكان " يتسرّب إلى نفس العربىّ بعد الإسلام . كما ارتبط ببناء المسجد : القبلة ، التى يتّجه إليها المصلّون ، والمنبر ، الذى يرتفع عن مستوى الأرض ليكون مكانا للخطيب ،ووقوف المصلّين أنفسهم صفوفا منتظمة متراصّة ، ومكان يُؤذّن فيه للصلاة .
فبدأ الفن المعمارى الإسلامى وفن الزخرفة الإسلامية ينموان مع كل مسجد يتم بناؤه .
النزعة التجريدية فى الفن الإسلامى
نزع الفنان المسلم فى العصر الوسيط إلى تحلية جدران المساجد بالزخارف ، حيث تضيع معالم الكائنات الحية ولا يبقى منها إلاّ خطوط ومساحات لونية .
ولكن سبق أن رأينا فى الحضارات الإنسانية القديمة كيف تمّ تجسيم الآلهة من حيوان وطير وغيره فى الفن . أما فى الإسلام فالأمر مختلف ، ففكرة " الله " لدى المسلم : هو الإله الواحد ، لم يلد ولم يولد ، الأبدى ، ليس كمثله شئ .
فلا يمكن إذا إدراك هيئة الله أو تصويره أو تجسيمه .
والفنان المسلم حين يفنّ فى المساجد يعلم أنها بيوت الله ، ويحضر الخشوع فى نفسه من هذا الأبدىّ ، المطلق ، فينزع إلى " التجريد " فى فنه لاسيما فيما يخص المساجد.
التجريدية والنزعة الروحية
فى كتابه " تاريخ الفن التجريدى " يقول مارسيل برييون :" يعتمد الفن الدينى الأوروبى ، وكذلك قدر كبير من الفن الآسيوى ، على التصوير التشخيصى – صور للمسيح وصلب المسيح والعذراء والطفل الخ – الأمر الذى
أدى لصبْغ ما هو دينى بصبغة إنسانية ودنيوية . ولكى يتحقق للفن الاتحاد بما هو مقدّس ، فإنه يتحتم تحرّره من هذه العقبة ،ولا يستطيع أن يعبّر عن الذى
هو بطبيعته غير موضوعى " غير مادى " إلا ّ الأسلوب التجريدى ".
الزخارف التجريدية للمساجد : انعكاس
للأفكار العقائدية فى نفس الفنان المسلم
لعلّ بعض هذه الأفكار : أولا : فكرة الإله الواحد ، المطلق ، اللانهائى . ثانيا : الحياة الخالدة فى الجنة أو النار بعد الموت . ثالثا: هكذا ، وبوجود فكرة " الخلود " – حيث لم يؤمن العربى قبل الإسلام فى وجود حياة بعد الموت - ، أصبحت الحياة الدنيا ،نهائية ، عرضية ، عابرة .
رابعا : الناس سواسية كأسنان المشط . فكيف انعكست مثل هذه الأفكار العقائدية الإسلامية على عمل الفنان المسلم .
وجهة نظر تحليلية للكاتب
حول الزخارف التجريدية الإسلامية
الأشكال الطويلة التى تحلّى أسفل جدران المساجد من الداخل ، وأحيانا من الخارج . هذه الأشكال تبدأ من أعلى باستدارة تُشبه رأس الإنسان وتنتهى فى اسفلها إلى ما يُشبه
العُنق ، ثم ينفرج الخطان قليلا ، ثم يهبطان متوازيين لكى يصنعا من أسفل زاويتين قائمتين . هذه الأشكال تتساوى من حيث حجومها ، وتصطف على الجدران الواحد بعد الآخر فى نسق مطرد وتكرار مستمرّ . ويغلب على ظننا إنها تمثّل دلالة معنوية ، فاصطفاف هذه الأشكال المتجانسة أشبه باصطفاف المصلّين فى صفوف منتظمة ، ونستطيع أن نستشفّ من تساويها
ما تؤكده العقيدة الإسلامية من أن جميع الناس – مهما اختلفت أشكالهم وألوانهم وحجومهم وثرواتهم – متساوون أمام الله تعالى. كما لا يفوتنا ما يحمله هذا التكرار من التغلّب على عامل " الخوف من المكان ". بأن يحلّ حركة ديناميكية
من الزخارف تخاطب الروح ، ولو أنه ترك فراغا بين الزخارف ووحداته التجريدية لأشعرنا بالفراغ الذى يُشعرنا بدوره بالمكان ، فيثير شعورا بالخوف المبهم فى النفوس ( حيث ذكر علماء الأنثروبولوجى أن هناك معتقدات عقائدية قديمة
تفيد بأن المكان الخالى يسمح للشيطان بأن يحلّ فيه ).
الفرق ما بين الأنصاب والتماثيل
يقول تعالى :" إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام ، رجس من عمل الشيطان ، فاجتنبوه " . والنّصب يعنى قائم يُعبد من دون الله ، وتُقدّم عليه القرابين
كما هو الحال فى العبادات الوثنية . وذلك يختلف عن التماثيل التى تخلّد شخصا ما بشكل ما تشكيلى الخ . يقول تعالى :" وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ القِطْرِ وَمِنَ الجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ " سبأ " .
وظهر فى كثير من البلدان الإسلامية على مدى العصور ، رسوما تتخذ من الإنسان والحيوان النبات موضوعا لها .

الموناليزا - ليوناردو دافنشى

عصر النهضة فى أوروبا
حين يتم تقييم فترة العصور الوسطى بصفة عامة من الوجهة الحضارية ، يُقال لها " عصر الظلام " ، لكن هذه التسمية يُقصد بها وصف الحياة
كما كانت تعيشها أوروبا . فى حين إن " العصور الوسطى " هى فترة ازدهار للحضارة الإسلامية ، بل هى الحضارة الوحيدة التى بزغ نورها فى تلك الحقبة .
أما بالنسبة للمسيحية فى أوروبا ، فقد ظلّت أكثر من ثلاثة قرون بعد ظهورها منكمشة ، يمارسها أتباعها فى حذر خشية بطش القبائل الوثنية ، إلى أن صدر فرمان سنة 313 أتاح للمسيحيين حرية العبادة
مثل الوثنيين . ومنذ ذلك التاريخ انطلق المسيحيون فى أوروبا ينشرون دينهم ويبنون كنائسهم . وتمر قرون كاملة ، إلى أن تبدأ النهضة الأوروبية فى إيطاليا وسرعان ما امتدت إلى
فرنسا وألمانيا وانجلترا وهولندا وغيرها من بلدان أوروبا .
ما قبل النهضة الأوروبية
لم تستطع الأفكار العقائدية المسيحية أن تُنشئ أدبا أو فنا يُعتدّ به إلاّ فى الدولة الرومانية الشرقية ، حيث ظهر طراز الفن البيزنطى . أمّا فى إيطاليا
حيث مقرّ البابوية ، فنجد الطراز القوطى هو السائد فى عمارة الكنائس . مع أن هذا الطراز كان مميّزا للقبائل الوثنية . فتراوح بناء الكنائس
فى العصور الوسطى بين الطرازين البيزنطى والقوطى . وكان للآباء المسيحيين الرأى النافذ فى بناء الكنائس وإملاء الآوامر على المهندسين ،ومن ثم انغلق الإبداع الفنى
فى نطاق ضيّق . وكان الأشراف وكبار ملاّك الأراضى يقيمون قصورهم بطراز خشن اشبه بالقلاع ليحتموا بها من غضب رعاياهم الذين هاجر كثير منهم من الأرض
تحت بطش أصحابها الإقطاعيين ، حيث التحقوا فى المدن بالصناعات اليدوية والتجارة ، وسرعان ما تحسنت أحوالهم الاقتصادية وصاروا قوة
جديدة مؤثرة فى الحياة ( فن الروكوكو جاء استجابة لطبقة وسطى غنية جديدة – سنتناوله فى حينه ).
اسرة مديتشى
ورعاية الطبقة الوسطى

ناصرت أسرة " ميديتشى " التى حكمت " فلورنسة " ، الطبقة الوسطى ، رغم أنها كانت أسرةغنية ، ومع ظهور الطبقة الوسطى ، أخذ يبرز نوع من التطلّع إلى التغيير
وعند ذاك برزت الدعوة إلى العودة إلى التراث فى منابعه الأولى ،وتمّ استلهام الآثار الإغريقية والرومانية فى الشعر وغيره . ولكن أين كانت هذه الآثار ( المخطوطات ) ، كان
كثير منها سجين الأديرة ، حتى ظهر الشاعر " بترارك " وغيره من الأدباء فبحثوا عنها واستخرجوها وتدارسوا ما فيها . وقد دأب "كوزيمو" و " لورتزو" من أسرة ميديتشى
على شراء المخطوطات اليونانية والعربية ، وعلى تمويل أعمال الكشف عن الآثار التاريخية ، كما كانا يستقبلان العلماء والأدباء والفنانين
الوافدين على فلورنسة من القسطنطينية والأندلس ، ويحتفيان بهم أيما احتفاء حتى غدت فلورنسة فى عهدهما أشبه المدن بأثينا فى عصرها الذهبى .
وفى ظل هذا النشاط ، وهذا الاهتمام بالمصادر الأصلية والمتنوّعة ، برزت النزعة الإنسانية الجديدة . وتمّ استقبال كل المعتقدات وكل الأفكار
وكان الميزان الموثوق به هو العقل ، وصار الإنسان هو كل شئ ، هو محور الحياة والكون .
العمارة فى عصر النهضة الأوروبية
غلبت النزعة الدنيوية على المجتمع الإيطالى ، فتم بناء القصور ، ودور السكنى للاستمتاع بالحياة ، وقلّت العناية ببناء الكنائس وغلبت فكرة الجمال على بناء
هذه المبانى مع إيثار البساطة فى الوقت نفسه ثم أتت الغاية النفعية فى المحلّ الثانى . وتأثرت الكنائس القليلة التى بُنيت فى هذا العصر بهذه الروح
الجديدة وتخلّت تماما عن الطراز القوطى . أنشأ البابا " ليو العاشر " الآلاف من دور السكن فى روما ، وأنشأ الجامعة ، وأجرى عليها نفقات سخية ، كما أسس مكتبة الفاتيكان واستجلب لها أمهات
المخطوطات الأدبية والعلمية ، فكانت مؤلفات هيرودوت تقف إلى جانب مؤلفات العلماء العرب .
التصوير " الرسم "
تميّز الرسم بسمتين فى عصر النهضة الأوروبية : الأولى: إضفاء الطابع الإنسانى على كل الشخوص والموضوعات الدينية . الثانية : العناية برسم الأشخاص
من ذوى المكانة السياسية والاجتماعية والعلمية من القدامى والمعاصرين
تجربة " رافائيل" فى عصر النهضة الأوروبية
برزت أسماء " ليوناردو دافنشى " و " مايكل أنجلو " و " رافائيل " كظماء الفنانين فى هذا العصر . استهدف " رافائيل " فى لوحاته تأكيد الوحدة
بين المفاهيم الفلسفية الأفلاطونية وبين مبادئ الدين المسيحى ، ثم بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية ، وتقريب فكرة العلم من طبيعة الفن
سجّل شخصية ارسطو وهو يمد يده إلى أسفل للإشارة إلى جهوده التى هبطت بمثالية افكار أستاذه – أفلاطون – إلى أرض الواقع .
مجّد رافائيل الإنسانية حقا فى شخوص عباقرتها
فى كل المجالات : الفلسفية ، العلمية ، الفنية ، الأدبية ، القانونية ،وأضفى على رسوماته ذات الطابع الدينى مسحة إنسانية . أغرم برسم
صور العذراء فى أوضاع شتى ، حتى لُقّب ب" مصوّر مريم " . ولكنه انطلق فى هذه الصور من منطلق إنسانى .
ولعلّ من أبرز لوحات
تصوير " رسم " شخصيات المجتمع الراقية صورة " موناليزا" المسماة " الجوكندة " التى رسمها " ليوناردو دافنشى " وغيرها من الشخصيات
الإنسانية المتفتحة والمرحة والمتفائلة .
على أن أسلوب عصر النهضة الذى جعل الإنسان محور كل شئ ، تطرّق إليه طراز من التعبير أطلق عليه اسم فن " الباروك " الذى انتشر على يد جماعة " اليسوعيين " الدينية والتى راحت تبنى الكنائس للدعوة إلى مذهبها .

فن الباروك
كلمة الباروك تعنى من الناحية اللغوية " اللؤلؤة غير المنتظمة " ، وقد خرج هذا الأسلوب على معايير الجمال فى الفن الكلاسيكى القديم الإغريقى والرومانى
من حيث معايير التناسق والاتزان والنظام وغيرها .
وتميّزت الكنائس التى بُنيت متأثرة بهذا الاتجاه بالضخامة ،وكشفت عن الولع بالزخارف المثيرة ،والمحسّنات الجذابة . ولكن حظ الإبداع فيها ضئيل ،وتكوينها المعمارى
هزيل . وقد جذب هذا الأسلوب العامة إليه ، ولكنه وجد تشجيعا من البابوات ، وسرعان ما انتشر وساد فى كل مبانى روما الدينية والدنيوية . وأضفى فن الباروك – رغم خروجه عن المعايير الكلاسيكية القديمة – طابعا
يبعث البهجة فى النفس
من خلال النافورات والمسارح والحدائق العامة وغيرها . وسرعان ما انتشر هذا الأسلوب فى شتى البلدان الأوروبية .
فن الروكوكو
كان أسلوب عصر النهضة فى أوروبا فى عمومه ، إحياء للطراز الكلاسيكى الإغريقى والرومانى بما فيها من تناسق ودقة واتزان وكمال .
كما كان الباروك أسلوبا يستهدف الجمال والمظهر الفخم وإشاعة البهجة فى النفس ،وكان الباروك كذلك هو الأسلوب الذى أبدت البابوية رضاءها
عنه وسمحت باستخدامه فى كنائسها وهو الأسلوب الذى حفل به الملوك والحكام فى شتى أنحاء أوروبا . ولهذا سرعان ما مسّت الحاجة إلى
اصطناع أسلوب جديد يمثل الطبقة الوسطى التجارية – بدايات ظهور الصناعات التحويلية ، وعلوْ شأن طبقة التجار – فلقد كان هذا القطاع
الجديد من المجتمع يملك الثروة ويريد الاستمتاع بالحياة ، وكان الفن احدى وسائل هذا الاستمتاع . ومن ثم برز اسلوب جديد هو فن " الروكوكو .
ولم يكن فن الروكوكو ملكيا مثل فن الباروك . بل فن طبقة ارستقراطية وطبقة وسطى كبيرة . لقد أصبح هناك افراد يحلّون محل الملك والدولة والكنيسة فى رعاية الأعمال الفنية
وأخذ المعماريون يشيّدون نزلا وبيوتا صغيرة بدلا من القلاع والقصور . كما حلّت الألوان الزاهية الخفيفة كالرمادى والفضى والأخضر المخفف والوردى ، محل الألوان الكثيفة
الجادة كالبنى والقرمزى والأزرق الداكن والذهبى . وظل فن الروكوكو يزداد تنميقا وتألقا وسحرا ورقة ورحانية .
وعلى هذا النحو ، صار فن الروكوكو هو فن المجتمع الراقى
ومن جهة أخرى ، اقترب من ذوق الطبقة الوسطى فى القوالب والأشكال المصغّرة . كان الروكوكو بصفة أساسية فنا زخرفيا شديد البراعة ، رقيقا ، هشا ، عصبيا ، وربما كان بذلك
يمثل انحدارا للفن بالنسبة لما أنتجه فن الباروك .
فن الروكوكو : انتهاء عصر
المذاهب الفنية ذات الطابع الشمولى
بدأ فن الروكوكو ينافس فن الباروك ويحتلّ مكانه ، حين أتيح للفن أن يستقل عن البلاط ، وأن تظهر طبقة جديدة هى الطبقة الوسطى الغنية وكان ذلك فى النصف الأول من القرن الثامن عشر قبيل أن يتبلور لهذه الطبقة كيانها – ونتيجة غياب آلية توليد طبقات وسطى باستمرار فى المجتمع
فإن هذه الطبقة الوسطى الغنية أصبح أكثرها فيما بعد من طبقة الرأسماليين - ويمكن القول بأن : فنى الباروك والروكوكو معا ، كانا يمثلان
النزعة للتخلص من آثار التقليدية الفنية التى أخذ بها عصر النهضة وروّجها ، لذا ، يتعرّض الطرازين – الباروك والروكوكو – لنزعة كلاسيكية جديدة
أرادت أن تعيد للفن صلابته القديمة ومثلة الفنية الإغريقية ، تلك الحركة التى قادها " دافيد " وتلميذه " آنجر" ، وبعدهما أتت حركة مضادة
تماما هى : الحركة الرومانتيكية التى احتلّ فيها الشعور – وما أتى بعدها من حركات – مساحة واسعة للعواطف والانفعالات الإنسانية . وكان فن الروكوكو
هو آخر أسلوب له صفة الشمولية حيث انتشر مثل ما سبقه من اساليب فى كل أنحاء أوروبا . وبانتهاء عصر الروكوكو انتهى عصر المذاهب
الفنية ذات الطابع الشمولى ، حيث تدخل مذاهب الفن طورا جديدا يعبّر فيه أسلوب كل فنان عن مقوّمات شخصيته . فمنذ القرن التاسع عشر أصبحت
مقاصد كل فنان ذات طابع شخصى ولم يعد الفنان يقبل حلولا جاهزة ، فهو ينظر إلى كل قالب قد حُدّد مقدما على أنه قيْد عليه ن لا عامل مساعد له
وعلى الفنان أن يتخلّص من ذلك القيْد ويبحث لنفسه عن أسلوب خاص مميّز به .
العقل أم الشعور
على أن الحركتين – الكلاسيكية المتزمتة بقيادة دافيد وتلميذه آنجر ، والرومانتيكية – اللتان أتتا بعد فن الروكوكو ، كان عليهما أن تُجيبا على أسئلة مثل : هل من الواجب
إعطاء الأسبقية للعقل أم الوجدان .لعالم الموضوعات الطبيعية " شجر ، نبات ، حيوان الخ " أم للذات الإنسانية .
ونشأت هذه الأسئلة المتضادة
كنتيجة للتضاد فى المجتمع نفسه الذى جمع فى آن واحد بين قيم قديمة متوارثة يغلب عليها المثالية ، وأخرى مستحدثة تنشد المتعة واللذة .
كانت طبقة النبلاء لا تزال تمجّد الكمال البطولى والعقلانية على الرغم من انها كانت تعيش فى الواقع من أجل لذاتها ، ثم تطوّر الحال ، فأصبحت طبقة
النبلاء نفسها تدعو لمذهب فى اللذة يتمشى مع نظرة الطبقة الوسطى الثرية إلى الحياة .
فن الروكوكو : فن جنسى
كان فن الروكوكو فنا جنسيا موجّها إلى أشخاص ذوى نزعة شهوانية " أبيقورية " يجمعون بين الثراء من ناحية ، والملل من فرط الاستمتاع باللذات من جهة أخرى
فكان محاولات اكتساب القدرة على مزيد من الاستمتاع ، فكان اللجوء للفن من أجل ذلك ، فصارت " العرايا " هى الموضوع الأثير فى الفنون
التشكيلية ، فحيثما جال المرء ببصره ، سواء فى اللوحات الحائطية فى المساكن الرسمية أو فى أشغال " الجوبلان " فى الصالونات أو الصور الموجودة فى خدور
النساء ورسوم الكتب أو الأطقم الخزفية أو الأشكال البرونزية المنقوشة على الرفوف المعلّقة رأى على الدوام نساءعاريات .
الهوراثيون الثلاثة يُقسمون

على نصرة روما - دافيد

الكلاسيكية المتزمتة
دافيد وتلميذه آنجر
عاش الفنان دافيد وتلقى تربيته الفنية فى مراسم فنانى " الروكوكو " فى عهد الملكية الفرنسية ، لكن نفسه لم ترتح لهذا الأسلوب الرخوّ ، وأتيحت له فرصة
الدراسة فى إيطاليا وكانت الحفريات قد كشفت عن بعض الآثار والتماثيل الإغريقية ، فكان ذلك سببا فى جذبه لهذا التراث القديم . وحين قامت الثورة الفرنسية
كان " دافيد " يحتلّ مكانة فى مجالى الفن والسياسة على السواء ، وقد اشترك فى محكمة الثورة التى ساقت لويس السادس عشر إلى المقصلة .
وأقنع دافيد " نابليون " برصد الأموال لاقتناء الأعمال الفنية ، ومنح الجوائز للبارزين فى مجال الفن ، وأنشأ المتاحف وفتح أبوابها للشعب . واصبح دافيد هو عائل الاتجاه
الكلاسيكى العائد .
وظلّ دافيد بقوة شخصيته وجاذبيته يفرض هذا الأسلوب حتى أفل نجم نابلون . وقد جعل دافيد شعاره فى الفن : الإنسانية والمنطق . وبعد وفاة دافيد ، تعهّد تلميذه آنجر هذه
الكلاسيكية لأكثر من ثلاثين سنة ، وربما كان هذا هو السبب فى أن الكلاسيكية استمرّت فى فرنسا أكثر من بلدان أوروبا التى انتشرت فيها الحركة الرومانتيكية
ونشير إلى : إنه كما تطرّفت الكلاسيكية العائدة فى الانقضاض على فن الروكوكو ، كذلك تطرّفت الرومانتيكية فى الانقضاض على تلك الكلاسيكية
فقد أمعنت الرومانتيكية فى ثورتها على كل تقاليد الكلاسيكية مع أنها لم تكن كلها خطأ – من جهة ، وأمعنت الرومانتيكية كذلك فى عدم الاندماج مع الواقع من جهة أخرى .
والغريب إن المنخرطين فى نزعة الرومانتيكية كانوا على وعىّ تام بتطرف موقفهم حتى إن " ديلاكروا " – أحد أتباع الرومانتيكية – نفسه كان يقول :" بغير جرأة تبلغ حد التطرف ، لا يوجد جمال "
على أن الجرأة تمثلت فى كسْر القواعد والتقاليد الكلاسيكية القديمة . وأما التطرّف فتمثل فى الاستغراق فى عالم الأحلام والخيال . ومهما يكن من شئ ، فإن الظروف الاجتماعية
والاقتصادية التى جدّت فى الحياة خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر ، وما ألقى به فلاسفة ذلك العصر ومفكروه من أفكارونظريات إلى غير ذلك
من عوامل ، قد ساعدت فى القضاء على الكلاسيكية وإنعاش النزعة الرومانتيكية .
الرومانتيكية
كانت الحركة
الرومانتيكية حدا فاصلا بين العالم الكلاسيكى القديم ،والعالم الحديث والحركات ما بعد الرومانتيكية ( والتى أصبحت
الطبيعة بكل ما تحويه من عناصر تحتل مكانا مرموقا فى الموضوع الفنى ) ، ولعل الحاضر
الذى
عاصره الرومانتيكيون هو ما دفعهم لذلك . فبالنسبة لهم هناك ماضى معروف وهناك مستقبل لابد وأن يتحقق يوما ما ، لكن ماذا عن " الحاضر "
ماذا تعنى اللحظة الراهنة ، أهى مجرد جسر للعبور ، وهل هم مجرد ضحايا تخلفت عن العصر الماضى لتقدم
على مذبح المستقبل ، وهم – قبل هذا وذاك – من هم .
الرأسمالية والحركة الرومانتيكية
أحس
الإنسان الرومانتيكى بأنه لا ينتمى إلى المجتمع الذى يعيش فيه ، لا فكريا ، ولا روحيا ، ولا فنيا ، وهو حين فقد الانتماء ، فقد الشعور
بالأمن والطمأنينة الذى كان يجده فى رحاب الجماعة التى ظل طوال تاريخه القديم مرتبطا بها ، وحل محل ذلك فى نفسه شعور بأنه فرد وحيد ، ضائع .
ومن ثم كان من التجارب الأساسية التى حرصت الرومانتيكية على تصويرها ، تجربة الفرد يقف وحيدا فى مواجهة العالم . ففى المجتمع الرأسمالى ، صار الفرد
يواجه المجتمع وحيدا ، غريبا بين غرباء . " أنا " مفردة فى مواجهة " اللاأنا " الهائلة ، وقد أدى ذلك إلى تقوية الشعور بالذات ، وتنمية الذاتية المزهوة ، لكنه أوجد كذلك شعورا بالحيرة والضياع . إن هذه " الأنا " المتأهبة لغزو العالم ، هى كذلك " الأنا " التى ترتجف خوفا من الشعور بالوحدة . " أنا " الكاتب والفنان المنعزلة والمنطوية على ذاتها ، التى تكافح
من أجل البقاء عن طريق بيْع نفسها فى الأسواق . وهى مع ذلك تتحدى المجتمع الرأسمالى بعبقريتها وتشتاق
إلى حياة الجماعة التى يصوّرها خيالها مجسدة فى الماضى أو المستقبل . وربما كان عدم الارتياح الذى استشعرته
الرومانتيكية إزاء الرأسمالية وضيقها بتفشى روح الأنانية نتيجة لذلك فى كل مكان ، كان ذلك دافعا فى أول الأمر
لبعض شعراء الرومانتيكية إلى الاحتماء من الحاضر بالماضى ، وللدعوة للعصور الوسطى ، ولكن هذا كان موقفا سلبيا .
ولم يستطع الرومانتيكيون سوى التمرّد على الواقع والرفض له ومحاولة تغييره دون أن يملكوا الرؤية اللازمة
لهذا التغيير ، لذا يمكن القول بان الرومانتيكية كانت ثورة بلا مضمون اجتماعى . لقد ضلّ الإنسان الرومانتيكى عن الطريق الصحيح
لنفسه، فراح بدافع الخوف يحطم ويشوّه ويبالغ وكأنه محموم ،ولعل هذا ما دفع الشاعر " جوته " لتعريف الرومانتيكية بقوله : " إن الرومانتيكية تنطوى على مبدأ المرض ".
الحرية عند الرومانتيكيين
خلقت
الرومانتيكية تفسيرا جديدا لفكرة " الحرية " كان انعكاسا لموقفها من الصورة التحكمية لفئة من الناس فى تحديد العمل المطلوب
وتقرير الذوق ،وهى فئة الرأسمالية . فمن منظور الرومانتيكية لم تُعد الحرية امتيازا تنفرد به فئة من المجتمع ، بل أصبحت حقا
مكتسبا للجميع ، وفى مجال الفن ، كانت الحرية مطلقة بالنسبة للعبقرى وحده . وفى سبيل الحرية ، شنت الرومانتيكية
الحرب ضد الأكاديميات والكنائس والمحاكم المشهورة والتراث والسلطة وأنكرت صحة القواعد الموضوعية أيا كان نوعها .
وصار من حق الفنان الرومانتيكى ان يستكشف القالب الخاص المناسب لعمله ، ووسائل التعبير الملائمة له وصارت
أعمال الفنانين الرومانتيكيين تؤدى دائما إلى خلْق حالة توتر وتعارض بينهم وبين الجمهور .
الرومانتيكية والعقل الإنسانى
تمّ استبدال
المشاعر والعواطف بديلا عن العقل ، لكن استطاعت النزعة العقلية أن تتماسك سريعا أمام هذه النزعة الوجدانية
ولكن الفن الأوروبى ظل رومانتيكيا ، فكل ما فى الفن الحديث من إغراق ومن عنف ومن فوضى ومن نزعة
غنائية واستعراضية منطلقة طاغية ، إنما يعود بأصوله إلى الرومانتيكية التى اندفعت
نحو كل ما
وحشى وغريب . واقترح " نوفاليس " – أحد أقطاب الحركة – تأليف قصص بلا عقدة ، تقوم على التداعى
كما يحدث فى الأحلام ،وقصائد ليس فيها غير النغم ، تزخر بالألفاظ ذات الجرس والرنين ولكنها خالية من أى معنى أو ترابط وليس فيها غير بضعة أبيات فقط مفهومة .
الرومانتيكية والموضوع الفنى
لعل من
الأوجه التى خالفت الرومانتيكية الكلاسيكية فيها ، موضوع " الموضوع الفنى " ، فبالنسبة للكلاسيكية لم يكن كل
موضوع صالحا للتناول الفنى بل هناك موضوعات مستبعدة تماما وهى تلك المتعلّقة " بالعامة من الناس " . سخط الرومانتيكيون
على ذلك وخرجوا للحياة العريضة واعتمدواعلى أحاسيسهم وحساسيتهم فى اختيار الموضوعات وجعلوا كل شئ قابلا لأن يكون موضوعا فنيا .
وقد حدث أن عاد الفنان " جريكو" من لندن إلى باريس وراح يحدث زملاءه عن هذا المصور الإنجليزى الثائر الذى يتخذ
من مشاهد الطبيعة ،ومن وحىّ الحياة اليومية مادة للوحاته ،وقد صادف هذا الحديث هوى فى نفوسهم وتأثروا به.
ومن أجل ذلك كثر حديث الرومانتيكيين عن " التجوال بلا هدف " عن " اللانهائية" التى هى كل شئ ولا شئ .
كانت " الغربة " هى الشعور المسيطر عليهم ، فلقد وجدت الرومانتيكية نفسها فى مواجهة صريحة مع تناقضات الحياة القائمة
وبدلا من السعى لتفهم هذه التناقضات ، إذا بها تلوذ بالهروب إلى داخل النفس ، إلى مكان هو " اللامكان " وهى – الرومانتيكية – إذ أخضعت
الحياة كلها للفن ، فإنها جعلت الفن بديلا عن الحياة .
الشاعر جوتة
كتب يقول
عن الرومانتيكية :" إن المبالغة والتطرف سوف يختفيان بالتدريج ،ولكن ستبقى فى آخر الأمرة هذه الميزة الكبرى : لقد وصلنا من جانب
الشكل المتحرّر إلى موضوعات أكثر غنى وتنوّعا،ولن يُستبعد بعد اليوم موضوع فى هذا العالم كله وفى هذه الحياة المتشعّبة
الفروع ، بوصفه موضوعا غير شعرى".
الفن للفن
خرج من عباءة الرومانتيكية حركتان : الفن للفن ، الحركة الواقعية الطبيعية
فقد كانت
هناك رغبة فى استنشاق الهواء النقى مرة أخرى ، بعد المبالغات المريضة والجو المفرط فى الحرارة والانفعال
واتجهت هذه الرغبة لإبراز شخصيات متوازنة معتدلة ، ومشاعر وانفعالات سوية يمكن أن يفهمها ويتقبلها الجميع
وكان موقف الشاعر" بودلير " احتجاجا على الموقف النفعى الصارخ للرأسمالية ، فعقد العزم
على تنزيه
الأدب والفن عن أن يكون سلعة فى عالم صار كل شئ فيه قابلا للبيع والشراء. كان " بودلير " ينشر اشعاره
متوقعا رواجها فى السوق ، لكن تكشف له أنه كان ينتج من أجل سوق مجهولة وجمهور من نوع آخر . كان ينتقم لنفسه
من هذا الجمهور التجارى حيث كانت أشعاره تثير الاستياء بين الناس . وكتب" هوجو فريدريك " يقول :" إن شعر "مالارميه " الغنائى
تجسيد للإحساس الكامل بالعزلة والانفراد ، فهو يرفض كل التراث المسيحى والإنسانى والأدبى ، وهو ينكر على نفسه
أى تأثير فى الحاضر
ويحتفظ بمسافة بينه وبين القارئ ، ولا يسمح بأن تغلبه النزعة الإنسانية ".
وهكذا أصبح شعار " الفن للفن " بالنسبة للرومانتيكيين هو البرج العاجى الذى ينعزلون فيه عن جميع الشئون العملية ، وبذلك كانوا يحققون لأنفسهم
هدوء الموقف التأملى البحت وترفعه على حساب التفاهم مع النظام الاجتماعى السائد
الفن : وسيلة أم غاية
يُعد مبدأ
الفن للفن ، أعظم صرخة أطلقها الإنسان لأول مرة فى وجه ماضيه كله ، فلم يكن الفنان فى وقت من الأوقات
فى ذلك الماضى قد ادّعى لنفسه أو لفنه الاستقلال عن الأغراض النفعية سواء أكانت عقيدية أو اجتماعية أو إنسانية .
أما فى حركة الفن للفن ، فقد برزت الأفكار التى جعلت العمل الفنى قيمة تُطلب لذاتها ، ومن ثم خلقت هذه الحركة
مشكلة فكرية هى : هل الفن حقا غاية فى ذاته ، أم إنه وسيلة لغاية .
الواقعية الطبيعية
مثلت الواقعية الطبيعية صراعا مع روح الرومانتيكية دون أن تحرز انتصارا عليها ،ومن ثم كانت حركة رومانتيكية ولكن بتقاليد جديدة .
هذه التقاليد الجديدة هى التى ربطت بينها وبين الواقعية . فالواقعية الطبيعية تعتمد فكرة أن يكون العمل الفنى مطابقا للواقع ولا شئ غير الواقع .
ففى مجال الأدب على سبيل المثال ، جعلت الطبيعية التطوير الصحيح لعقدة القصة يقوم على استبعاد الصدف والمعجزات .
الواقعية الطبيعية والرومانتيكية
تميّزت الواقعية الطبيعية
عن الرومانتيكية بسمتين هما : الاتجاه للواقع ، مخالفة المضمون الاجتماعى والأخلاقى للرومانتيكية .
حيث
سعت هذه الحركة إلى : الابتعاد عن الانفعال ، النزوع إلى الإيجابية بوصفها الحركة التى تحرص لا على توصيف الواقع فقط ، بل ومحاولة تغييره ايضا .
التزمت
بالحاضر بوصفه الموضوع الوحيد الملهم ، وهى إذ هنا قد اهتمت بالجمهور الشعبى العريض الذى يعيش الحياة ويعانى مشكلاتها .
ومن ثم ، كانت عبارة " شانفليرى " القائلة : " إن جمهور الكتاب الذى يُباع بقرشين ، هو الجمهور الحقيقى ".
زحزحة الإنسان عن
مركز الكون فى الواقعية الطبيعية
بعدما امتاز
عصر النهضة الأوروبية بإتاحة الفرصة للإنسان ليكون محورا للكون فى اللوحات والتماثيل ، أدخلت الواقعية الطبيعية
جميع عناصر الكون الأخرى . فقد رفضت لجنة التحكيم لوحة ل " كوربيه " باسم " المرسم " لأنه أدخل عنصر الحيوان فيها ، حيث رأى " كوربيه " إن الحيوان وحدة مكمّلة للواقع الإنسانى.
الواقعية الطبيعية والروح الثورية فى السياسة
حملت هذه
النزعة فى الفن مضمونا سياسيا ، واجتماعيا وفنيا أقض مضاجع السلطة والمحافظين والحالمين جميعا.
كان
قُبح الفلاحين والعمّال الذين صوّرهم " كوربيه " وسمنة نساء الطبقة الوسطى ، بمثابة احتجاج على المجتمع القائم
ولم يجد " كوربيه " و " برودون" فارقا بين الحقيقة الاجتماعية والحقيقة الفنية .
وقد رفضت
الطبقات الحاكمة تلك النزعة الواقعية الطبيعية فى الفن على اعتبار أن كل فن يصف الحياة دون تحيّز ودون تحفّظ ، هو فى ذاته فن ثورى .
تحلّل الحركة الواقعية الطبيعية
صارت
الأعمال الجادة التى انبثقت عن هذه الحركة لا تلقى التقدير المناسب إلاّ عند فئة ضئيلة من المثقفين . كما أن ربط هذه الحركة نفسها بواقع الحياة
وقضايا
المجتمع ، انتهى بها إلى طريق مسدود حينما أصبح الواقع يشكّل كابوسا للفنان المنتمى لهذه الحركة .
كما تحكّم فى
النظرة للواقع الشعور بالتعاسة فى نفس الفنان ، فعملت التعاسة دورها على عدم القدرة على تجاوز الواقع الأليم .
واختاربعض الواقعيين الطبيعيين الانطلاق نحو المذاهب الاجتماعية ،واختار البعض الآخر القدرية والرمزية التى يسودها طابع الغموض
والتفكير الغيبى .
ظهور الحركة الانطباعية
ظهرت
حركات فنية كثيرة فى القرن التاسع عشر بسبب أن الأكاديمية أو معرض الصالون الذى كان يُقام سنويا فى باريس
كان يرفض عرْض عمل لأحد الرسامين . وكانت الحركة الانطباعية من هذا النوع . ففى سنة 1874 ، اجتمع ثلاثون
من الرسامين الذين رُفضت أعمالهم من قبل هيئات التحكيم الرسمية وقرّروا إقامة معرض خاص لإنتاجهم المرفوض فى بيت أحدهم .
كلمة الانطباعية ، ماذا تعنى
عرض " كلود مونيه " لوحه
له فى هذا المعرض فى البيت بعنوان " شمس مشرقة – انطباع " . وقد أثارت هذه الكلمة
استياء
أصحاب الاتجاه المحافظ . ولكن منها أشتق اسم الحركة الجديدة " الانطباعية " ، ومن ثم ، لعبت الصدفة دورا فى ظهور هذا الاسم واختياره .
الانطباعية والموضوعية " الطبيعة وما تحويه من عناصر "
قيام الفنان
الانطباعى بالتعبير عن انطباع الأشياء فى نفسه لا يعنى أن الانطباعية تهمل موضوعها - الذى أثر فى نفسية
الفنان فقام بالتعبير عنه – بل تهتم به . والانطباعية عكس الرومانتيكية ، ففى حين يُضفى الفنان الرومانتيكى
على الطبيعة من مشاعره ويعكس عليها حالته الشعورية أى يتحرّك من الداخل نحو الخارج . إذ بالفنان الانطباعى
يستقبل الطبيعة ثم يحلّلها إلى عناصرها الأصلية – من الخارج إلى الداخل .
" سيزان "
وهو من أبرز
أقطاب الحركة الانطباعية ، يقول :" لا يعدو الفنان أن يكون جهاز تسجيل للمدركات الحسية ، لا نظريات بل عمل
فالنظريات تفسد الناس ن إنما نحن فوضى لامعة ، أنا آتى قبل موضوعى وأضيع فيه ، إن الطبيعة تخاطبنا جميعا
وا أسفاه ، إن المناظر الطبيعية لم تصوّر ابدا ، إن الإنسان يجب أن يختفى تماما من الصورة ، ويُستغرق كليا فى
الطبيعة والمنظر ، ذلك الاختراع البوذى ، النرفانا ، الاطمئنان بلا عواطف حارة ، بلا روابط ، بل الألوان
الانطباعية
ماذا تعنى ، إنها المزج البصرى بين الألوان ، هل تفهمنى ، إنها تفكيك الألوان على اللوحة ، ثم إعادة تركيبها
فى العين . إن اللوحة لا تمثل شيئا ، ولاينبغى لها أن تمثل شيئا غير الألوان ".
الانطباعية والتأثر بالشرق
حيث أتيح
للفنان " كلود مونيه "أن يزور الشرق ويطّلع على فنونه ، وحين عاد إلى باريس ، راح يحدّث رفاقه عن الأضواء
التى رآها هناك ، والتى تبعث الراحة للعين والبهجة للروح ،ومن ثم برزت فكرة الضوء التى تسلّطت على عقول الفنانين الانطباعيين .
الانطباعية و نيوتن
شرح " اسحاق نيوتن " وغيره
من العلماء ميكانيكية الرؤية ، وأوضحوا العلاقة بين شبكة العين وآشعة الضوء ، وطريقة انعكاس المرئيات
على تلك الشبكة ، كما علّلوا عدم وضوح الأشياء البعيدة عن النظر بكثافة الطبقات الجوية التى تغمرها غلالة زرقاء غائمة .
فأفاد الانطباعيون من هذه القوانين العلمية واثرت على نظرتهم إلى الطبيعة حين يقومون بتصويرها .
ألوان قوس قزح
الأحمر ، البرتقالى ، الأصفر ، الأخضر ، الأزرق ، البنفسجى . وهذه الألوان هى نتيجة انعكاس ضوء الشمس فى الفضاء.
ومنها ما هو رئيس " الأزرق ، الأحمر ، الأصفر " ، وما هو نتيجة امتزاج لونين بنسب معيّنة " البنفسجى نتيجة
امتزاج الأزرق والأحمر – البرتقالى نتيجة امتزاج الأحمر والأصفر – الأخضر نتيجة امتزاج الأصفر والأزرق " .
ولكن، ماذا حقق الانطباعيون من تحليلهم للألوان ، يقول " سيسلى " أحد أقطاب الحركة :" لقد ظفرنا بمكسبين : الأول : محتوى الصورة ، فقد كسبنا تلك التفاؤلية
التى
تتشعشع فى صورنا ، إننا متفائلون . الثانى : وسائلنا الفنية ، حيث لا نتقيّد فى رسم الطبيعة بألوانها البادية للعين ".
ولكن لم يكن كل الانطباعيين متفائلين ، حيث فاضت لوحات " فان جوخ " بتعاسة الواقع الاجتماعى.
وبقيام
الانطباعيين بتحليل ألوان الشئ موضوع الرسم إلى مجموعة من الذبذبات الضوئية ، لم تعد بهمحاجة للإيحاء
بالتكوين الجسمانى لهذا الشئ عن طريق استخدام " الظل " إلى جانب الضوء . إن لوحاتهم – رغم تسطيح
الأشكال فيها – لا تزال توحى بالبعد الثالث " العمق " عن طريق التحليل الضوئى لألوان الصورة ،وحين تنطبع هذه الألوان على شبكة العين
يتولّد الشعور بالكيان الجسمانى للشئ .
لقد كان الضوء فى اساليب التصوير ينهمر من الخارج على الشئ موضوع التصوير ، أما فى الانطباعية فإن الضوء يتفجّر من باطن الأشياء نفسها .
ولم يعرف الانطباعيون لونا ثابتا للأشياء ، فقد يعترى ورقة شجر خضراء تغيرا ما فى لونها فى لحظة سقوط
ضوء الشمس أو أى ضوء آخر عليها فتأخذ شيئا غير اللون الأخضر أو درجات منه ، ومن ثم لم يعد اللون المعروف
لنا جميعا عن شئ ما بمثابة التزام فى أعمال الانطباعيين ، بل صاروا يغيرون الوان
الأشياء المعروفة .
الانطباعية والتجريد اللونى النسبى

رغم اكتساح
اللون فى أعمال الانطباعيين ، إلا ان الشئ موضوع التصوير لم يفقد تجسيمه وتمييزه ، إلا أن الانطباعيين
لم يروا
النار أو الماء أو الشجر ، بل رأوا توهّج النارلا النارذاتها ، وشفافية الماء لا الماء ذاته ، ولمعان الحرير لا الحرير
نفسه ، وصفاء السماء لا السماء ذاتها ، كان تعاملهم منصّبا على الألوان ، وتحليل كل الموضوعات
وعلاقات
بين الألوان،ولذا كان رسمهم بعيدا عن التعلّق بالأجسام او الأشياء . كما كانوا يقيمون بمزج الوانهم على اللوحة
نفسها . فالمعتاد ، أن يلجأ الرسام فى باليتة الوانه فى مكان فارغ فيها بمزج الألوان
حتى يحصل
على اللون الذى يريد ، ثم يبدأ بعد ذلك فى غمس ريشته فى مزيج الألوان على الباليتة ثم يرسم لوحته .
لكن
الانطباعيين كانوا إذا ما ارادوا اللون البنى مثلا ، ينثرون على لوحاتهم نقاطا متداخلة من الأزرق والأحمر . ومن ثم
يجب على المشاهد أن يحافظ على مسافة بعيدة نسبيا إذا ما أراد الاستمتاع بألوان الانطباعيين على اللوحة ، حيث
ينكسر الضوء على ذرات الهواء فلا يرى المشاهد نقاطا متناثرة بل وحدة لونية واحدة
المغزى الإنسانى للحركة الانطباعية
يقول أحد
نقاد الفن :" لقد كانت الانطباعية – بمعنى من المعانى – عرضا من أعراض الاضمحلال ، من أعراض تفتت العالم وانعدام إنسانيته ".
فقد كانت الانطباعية تحولا جعلت الإنسان فى رسمها واعمالهما ليس محورا للكون ، بل نظرت إلى الطبيعة وضمنتها أعمالها .
وانتهى تاريخ الانطباعية بالمعرض الثامن لها الذى اقيم فى 1886 ، حيث تفرّد كل واحد فيها باسلوب خاص به
واصبح من الصعب على مؤرخى الفن الجمع بينهم فى نسق واحد .
التعبيرية
الإنسان لم يعد محور العمل الفنى
فمهوم
الإنسان الذى كان علما وزينة للحضارة القديمة قد تغيّر جذريا والغى منه عنصر الإنسان . ففى هذا العالم
الذى تغرّب عنه الإنسان ولم تعد فيه قيمة إلاّ للأشياء ، أصبح الإنسان نفسه شئيا بين الأشياء ، بل إنه ليبدو
أشد الأشياء عجزا وضآلة ، لقد تحلّل الكائن الإنسانى على أيدى الانطباعيين إلى مجموعة من الأضواء والألوان
ثم صار بقعة من اللون بين بقع الألوان الأخرى أو غاب أصلا عن تلك المناظر الطبيعية المهجورة وشوارع
المدن المقفرة . أو شوّه وحطم بوصفه آلة يمكن فكها إلى أجزاء ، أو دمية أشبه بمنتجات المصانع أو شيئا غير معقول أشبه بالغول .
الغربة والقلق الروحى للإنسان
وانعكاس ذلك فى الفن التعبيرى
فرغم أن
المجتمع الحديث هو فى غالبيته مجتمع مدينة ، فإن شعورا بالغربة لم يظهر إلا فيه . فالكثافة العددية لأفراده
من شأنها أن تهبط بقيمة الفرد فيها إلى الحد الأدنى . ومع الغربة ، يتولّد الشعور بالخوف ، من الآخرين
من المستقبل ، بل ومن الحاضر كذلك ، ولا سبيل للطمأنينة إلاّ بشيئين : المال والنجاح .
وإن تحقق
ذلك عن طريق كبت كل المشاعر الإنسانية أو إنكارها نهائيا . ولعلّ هذا ما جعل " مالرو" يقول :" إن كل ما هو
داخل الإنسان ، يتطلّع إلى إبادة الإنسان ".
رواية أمريكية مثيرة
وموقف الإنسان الغربى الحديث من الحياة
فى رواية
أمريكية من نوع الروايات المثيرة ، يظهر فى نهايتها أحد رجال البوليس السرّى الخاص وهو يسلّم عشيقته
للعدالة والكرسى الكهربائى . وهو يشرح لها بمنطق بارد لماذا يفعل ذلك مبيّنا أن المال والنجاح وحياته
نفسها أهم من أى شعور أو إحساس . وعندما تسأله : الم تعد تحبنى . يجيبها بقوله : لست أفهم لهذه
العبارة معنى ، وهل فهمهما أحد فى يوم من الأيام ، ولنفرض إنى أحبك ، فماذا بعد ، ربما لا أحبك فى الشهر القادم
فكيف يكون الحال ، ساشعر بأنى كنت ساذجا ، ولو فعلت ذلك والقى بى فى السجن ، فسيتأكد لى أنى قمت
بدور الساذج ، أما إذا أرسلتك أنت للسجن ، فسوف أحزن وآسف واقضى ليالى قلقة ، لكنها سوف تمر ".
هذا موقف
يعكس إحساس الإنسان الغربى الحديث عن نفسه . إن نفسه ونجاحه وثروته هى الأشياء ذات القيمة للتعويض
عن شعور الغربة وما يتولّد عنه من غيلان ، وقد نتج ذلك الشعور بالغربة نتيجة للتطور العلمى الذى
أحرزه
العالم فى القرن العشرين ، والذى حطّم الصورة المتماسكة للحياة ، وطمس إحساس الإنسان بذاته أو بكيانه
بوصفه قيمة مطلقة . فكثير من مستحدثات العصر العلمية جعلت الفرد يشعر بضآلته وبأنه لا يعدو أن يكون موظفا
للقيام بعمل لا يدرى على التحقيق جدواه بالنسبة لحركة الحياة الهائلة .
وكتب
المصوّر " فرانز مارك " يقول :" سيأتى على الأوروبيين يوم يحسون فيه بالألم لفقدان حياتهم شكلها
وهم عند
ذاك سوف لا يبحثون عن الشكل الجديد فى الماضى ، ولن يبحثوا عنه كذلك فى الخارج ، فى مجال الطبيعة
بل سيستخرجون الشكل الجديد من الباطن ، وفقا لمعارفهم الحديثة ، وسوف يكون الفن القادم شكلا ناشئا
عن اقتناعنا العلمى وسوف يكون عقيدتنا ، ومبدأنا ، وحقيقتنا ".
ولكن
هذا " الشكل " الذى تحدث عنه " فرانز " لم يتحقق حتى اليوم ، لسبب بسيط ، هو أن الناس لم يستطيعوا
خلال هذا القرن أن يتفقوا على هذا " الشكل " . لقد صار إنسان القرن العشرين يتحرّك فى شبه دوامة أو فى
دوائر متوازية متباعدة ولا يجمع بينها سوى أنها متعاصرة .
كان القرن
التاسع عشر ، عصر المذاهب التى يتولّد بعضها عن بعض ، أو يقوم بعضها على أنقاض بعض . أما القرن
العشرون فإنه عصر " المذاهب المتعاصرة " المتوافقة والمتعارضة فى الاتجاه على السواء .
إنه
العصر الذى تكاثرت فيه المذاهب إلى الحد الذى يصبح فيه من أصعب الأشياء أن يحصر إنسان نفسه فى اتجاه
أو مذهب واحد ، وصار عمل الفنان نفسه ينتمى لأكثر من مذهب .
الشكل وفن القرن العشرين
صارت
السمة المميّزة لفنانى القرن العشرين على اختلاف مذاهبهم هى البحث الدائم عن " الشكل ". محاولة فهم
العالم عن طريق إعادة تشكيله ، فالذى نراه فى الحقيقة ليس هو الحقيقة .
ولا يمثلها
ولو كان كذلك ، لكان الفن الذى ينقل الواقع ويحاكى مظاهره هو الفن الحقيقى ، لكن فن القرن العشرين
رفض نهائيا أن يلتزم بحرفية الواقع أو محاكاته .
ومن ثم
تركّزت حركة الحوشيين حول إعادة تشكيل صورة الحياة على نحو يخرجها من حياديتها الفارغة إلى شكل
له مغزى ، وهم فى سبيل ذلك لم يبالوا أن يُحدثوا تشويها فى الشكل القائم للأشياء . وهو تشويه بالقياس إلى
الأصل
المألوف ، لكنه فى الوقت نفسه " الشكل " الذى يحمل معنى ودلالة لهذا الشئ فى نفس الفنان ، وهنا يكون لهذا الشئ قيمة حقيقية .
الحوشية والتعبيرية
فقد
كانت تجربة الحوشيين هى الإلهام المباشر للتعبيرية ، فحين انتقلت النزعة الحوشية إلى ألمانيا ، تأثر
بها عدد من شباب الفنانين هناك ووجدوا فى بعض أعمال الانطباعيين
عناصر
تتفق ومزاجهم . فمن عنف الحواس التى تنبض بها لوحات " سيزان " ، إلى الأجواء الفطرية الأصيلة
فى لوحات " جوجان " إلى إيمان " فان جوخ" الذى يبلغ حدّ الهوس بالبسطاء من الناس ، إلى الاستغراق
فى اللذة الحسية فى لوحات " تولوز لوتريك " . على أنه لا ينبغى أن ننسى
دور الفن
الزنجى الإفريقى والفنون البدائية بعامة فى تشكيل هذه النزعة الجديدة التى تأثرت بما فى هذه الفنون من انفعالات
حادة تصحب طقوس العبادة والرقص كما تتجلّى فى الحرب .
وقد أفادت
التعبيرية من ذلك كله ، وبلورت نظرتها إلى الفن ، فرأت أن أقصى ما يُطلب من الفنان هو أن يوصّل من
خلال " الشكل " أحاسيسه المحتدمة غير عابئ بما يصيب هذا الشكل من تشويه .
يقول
مارسيل برييون :" إن أفضل طريقة يستطيع الإنسان أن يفهم بها المذهب التعبيرى بوصفه حركة فنية
هى أن ينظر إليه بوصفه معارضا للمذهب الانطباعى ".
ففى حين
تكون الحركة فى الفن الانطباعى تسير من الطبيعة إلى الفنان " من الخارج إلى الداخل " ، نجد المصوّر
التعبيرى يُسقط عالمه الباطنى أى صور معاناته وأحلامه على العالم الخارجى .
كانت
التعبيرية صرخة ذعر أمام تغلغل العلوم الوضعية والتكنولوجيا إلى شتى مظاهر الحياة حتى إن الانطباعيين
أقاموا نظريتهم فى الأضواء والألوان على أساس من بعض هذه العلوم . لقد أحسّ التعبيريون أن الإنسان اصبح أمام
تهديد سافر من قبل هذه العلوم نفسها وإن مصيره هو أن يقع فريسة لها .
الناقد " هرمان بار "
الذى
عاصر التعبيرية ، ودعا لها :" لم يوجد عصر من قبل ، هزّه هذا الرعب ،وهذا الفزع المميت ، لم يعرف
العالم مثل هذا الصمت الذى يُشبه صمت القبور . لم يكن الإنسان فى يوم من الأيام
صغيرا
كما كان فى تلك الفترة ، ولا شعر بمثل ذلك القلق الذى شعر به . ابدا ، لم يكن السلام ابعد مما كان فى تلك
الأيام ، ولا كانت الحرية أكثر موتا . ها هى ذى المحنة تصرخ ، الإنسان يصرخ بحثا عن نفسه ، العصر كله أصبح صرخة واحدة
تنطق بالمحنة . إن الفن كذلك يصرخ معه ، يُطلق صيحته فى أعماق الظلام ،يستغيث ، يستنجد بالروح : هذه هى التعبيرية ".
الرومانتيكية والتعبيرية
تتشابه
الحركتان فى سير الموضوع الفنى من الداخل إلى الخارج ، يُضفى الفنان أحاسيسه على الموضوعات الخارجية
لكن الرومانتيكية تمرّدت على الواقع وأرادت تغييره ، ولكنها لم تهتد إلى الصورة البديلة للواقع كما ينبغى
أن يكون . أما التعبيرية ، فقد أصدرت كثيرا من البيانات والبرامج النظرية والنقدية حاولت فيها أن تحدّد
معالم الإنسان الجديد ، وتوضّح ملامح المجتمع الذى ينبغى أن يحل محل المجتمع الفاسد ، الظالم ، المنهار
وتكوّنت الجماعات فى مختلف المدن وتفكّكت ، وظهرت المجلات والمجموعات الشعرية والأعمال النثرية
وتعدّدت الأفكار والآراء ووجهات النظر .
وقد
لخّص " كورت نبتوس " أحد شعرائهم ، الأهداف الرئيسية للحركة التعبيرية فى إنها :" تحرير الواقع
من الأطر التى يظهر من خلالها ،تحريرنا نحن من الواقع وتجاوزه . لا بالالتجاء إلى وسائله الخاصة ، ولا الهروب
منه ، بل بمعانقته فى قوة ، للانتصار عليه ، والتحكم فيه عن طريق قوة العقل النفاذ ، وبالمرونة والحركة
وبالرغبة فى الوضوح ، وبعمق العاطفة ، وطاقتها المتفجّرة ".
وكان قدرا
كبيرا من أعمال التعبيريين مشوبا بالغموض ، ومن ثم لم يكن كثير من الناس قادرين على استقباله وفهم
محتواه ، ساعد ذلك خروج التعبيريين على التقاليد الأكاديمية للشكل وتحريفهم للأشكال بطريقة متعمّدة
وتصويرهم لموضوعاتهم وكأنها منعكسة على مرآة غير مستوية السطح . ومع كل هذا ، يمكننا أن نقول
إن التعبيرية فى عمومها كانت تمثل الصوت الوحيد بين الحركات الفنية فى النصف الأول من القرن العشرين الذى كان
يتبنّى قضية موضوعية ذات بُعد إنسانى واجتماعى صريح ، وإنها بذلك كانت تمثل خطرا بالنسبة للنظم الفاشية
والديكتاتورية التى كانت قد بدأت تجد طريقها إلى بعض دول أوروبا الغربية . وعندما قامت الحرب العالمية
التى طالما حذر التعبيريون العالم من شرورها – 22 مليون قتيل فى الاتحاد السوفيتى السابق وحده ، وما يزيد
عن 60 مليون فى الحربين العالميتين – ومغبتها ، كانت التعبيرية تتقلّص وتتداعى ، حتى إن " باول كليه " وجد نفسه
مكرها أمام انتصارات النازية الهتلرية إلى الهجرة إلى سويسرا حتى توفى بها .


بيكاسو - فن تكعيبى


التكعيبية
يمكن أن

يُقال إن الفنان " سيزان " كان أول من فتح الطريق أمام الاتجاه التكعيبى دون قصد منه ، حيث لم يكف عن البحث

والتجربة فى عالم الشكل . وكان فى إيحائه بالتجسيم فى لوحاته ، يقوم بتقسيم مساحة الشكل الذى يرسمه إلى مربعات

ثم يملأ هذه المربعات بخطوط عريضة طولية كثيفة اللون ، وقد نتج عن هذا
الأسلوب شعور

لدى المشاهد للوّحة ، بالكتلة . وتُعد التكعيبية تطويرا لهذا الأسلوب ، ولكن على أسس علمية نظرية . وبالإضافة

إلى عامل التجربة التى فتح بها " سيزان " الطريق أمام التكعيبية ، فكان هناك عامل آخر له شأن فى توجيه

أنظار الفنانين لهذه النزعة الجديدة ، وكان ذلك ، التفات الفنانين فى أوروبا إلى فنّ الأقنعة الإفريقى ، ذلك الفن
الذى استحوذ على نفوس كثير من شباب الفنانين عند منعطف القرن التاسع عشر . وكان العامل الثالث الذى به اهتدت

التكعيبية إلى فلسفتها الكاملة هو التطور الذى تحقق فى ميدان العلوم الطبيعية ، وبالأخص نظريات علماء الرياضة

من أمثال " بوانكاريه " و" برانسيه" . وقد كان المصوّر " لوت " على وعى بذلك
وحدّد التكعيبية بقوله :" إنها المذهب الذى يُعنى ببناء الأشكال على أسس هندسية والذى تتدفق به القدرات الإبداعية من خلال القوانين الرياضية ".
مصطلح التكعيبية
حيث يُعزى

إطلاق كلمة " التكعيبية" إلى الفنان " ماتيس " زعيم الوحشيين ، ثم تلقف الناقد الفنى " فوكسيل" هذه الكلمة

وأشاعها عن طريق مقالاته التى كتبها عن أعمال " براك " وهناك ثلاثة اسماء فنية كبيرة قد ارتبطت بهذه الحركة

ومثلت أركانها الأساسية : " براك " ، " بيكاسو" ، " جوان جرى".
الجديد الذى أضافته
الحركة التكعيبية

ركّز الانطباعيون

نظرهم إلى الأشياء على صفاتها الإشعاعية ، ويركز التكعبيون الآن على صفاتها البنائية ، وهم فى تركيزهم

على هذه الصفات البنائية لا يستجيبون لدوافع الحس المتقلّب ، بل يصوّرون الأشياء فى موضوعية وواقعية ملحوظة

لكنها تختلف عن موضوعية وواقعية الطبيعيين ، لأن الأشياء الواقعية تستحيل " تتحول " على ايدى التكعيبيين

إلى مجموعة من المكعبات يؤلف بينهما بناء جديد يقترب فى مجموعه من الشكل الأصلى .
فهم - التكعيبيون – يحلّلون الشكل ، ثم يعيدون بناءه مرة أخرى
وبعد ذلك

يحولون المكعبات إلى سطوح مستوية ، تتداخل بعضها فى بعض، ثم تلعب الظلال دورا مهما فى تحريكها إلى شتى الاتجاهات .
لقد كان هذا الأسلوب يتيح للمشاهد فرصة التوغل داخل المشهد ، ورؤيته من جميع الزوايا ، وبذلك حقق هذا الأسلوب

مالم يتحقق فى فن الرسم من قبل وهو رؤية اعماق الشئ ، وهو ما أسموه بالبعد الرابع ، فقد كان الرسم التقليدى

يُبرز ابعاد الشئ الثلاثة الخارجية : الطول ، العرض ،الارتفاع . أما الأسلوب التكعيبى فقد اضاف لهذه الأبعاد
الثلاثة ، بُعد العمق ، ومن ثم ، صارت الأشكال تجمع فى وقت واحد بين الظاهر والباطن .

وربما

تصوّرنا أن هذا التداخل بين الخطوط ، قد يُحدث نوعا من التعقيد تضيع معه كل المعالم ، ولكن بالنسبة للفنان

التكعيبى الذى يعمل فى صورته بعد دراسة متأنية عميقة لمعمار الموضوع الذى يرسمه ، لا يحدث هذا التعقيد

فدرجات الظل المختلفة التى تميز الخطوط بعضها من بعض ، كفيلة بأن تحول دون ذلك .
وقد أبدت

التكعيبية فى البداية زهدها فى استخدام الألوان ، مكتفية باستخدام الخطوط المستقيمة ،ومقتنعة بأن الخط المستقيم

أكثر تأكيدا للتعبير من الخط المنحنى .
وسرعان ما تطورت التكعيبية على يد " بيكاسو " ، فتخلصت من اشكالها الهندسية الجافة ، فاستخدمت أشد الألوان صفاء، كما استخدمت الخطوط المنحنية كذلك .
الدادية
أمعنت

هذه الحركة فى اسلوب " الملصقات " ، حيث تمتلئ اللوحة بقطعا الخشب والمسامير وقصاصات الورق الملون

اللامع وما إلى ذلك . وقد ظهرت فى الربع الأول من القرن العشرين .
معنى كلمة الدادية
تسمية غريبة ، ماذا تعنى كلمة الدادية .
لقد ظهرت كلمة الدادية بطريقة اعتباطية ، فقد أطلقها الشاعر الرومانى " تسارا " زعيم هذه الحركة ، حين كان

جالسا بين جماعة من الأدباء وبيده أحد معاجم اللغة ، ففتحه فى مكان ما فكانت أول كلمة وقع عليها بصره هى

كلمة " دادا" ، فاشتق منها كلمة " الدادية " وجعلها عنوانا على الحركة التى تزعمها . وكان ذلك فى سنة 1916 ، فى مدينة " زيورخ" أى فى أثناء
الحرب العالمية الأولى ، حين كان الدمار والتخريب يضرب أطنابه ، وحين انهارت فى نفس الإنسان كل القيم

وضاعت الحقيقة ، واصبح كل شئ هو اى شئ ولا شئ . لقد وقعت الكارثة ووقف الإنسان إزاءها عاجزا عن درء

الشر أو الحيلولة دونه ،وتبدّدت صرخات الضمير فى الهواء ، ولم يعد هناك سبيل إلى العزاء إلاّ بالسخرية
من

كل شئ ، والاستخفاف بكل شئ : بالمبادئ الأخلاقية ، وبالقيم الجمالية ، بالثقافة وبالفن .
وعند

ذاك راح " تسارا " والفنانون الملتفون حوله يعبثون بكل شئ دون مبالاة بأى قيم ، كتبوا الشعر بطريقة اعتباطية

ورسموا لوحاتهم بشتى وسائل التلفيق ما دام العالم نفسه يتحرّك بطريقة اعتباطية لا اثر للعقل والاتزان والضمير

فيها . وقد كتب " فيليب سوبر " أحد أنصار هذه الحركة من الفرنسيين – يصف الطريقة التى يُصنع بها الشعر

الدادى – فيقول :" لو أنك أخذت قبعة ، وكتبت قدرا من الكلمات ، كل كلمة فى ورقة صغيرة مستقلّة ، ثم جعلت

هذه الأوراق فى قبعة ، ثم أخذت تستخرج هذه الأوراق واحدة بعد الأخرى ، حسبما يقع فى يدك ، ودوّنت كل

كلمة تجدها فيها الواحدة بعد الأخرى ، فإنك بذلك تصنع الشعر الدادى".
فهل

هناك طريقة أكثر اعتباطية فى الكتابة من هذه الطريقة ، ولكنها فى نفس الوقت أيسر الطرق لكتابة الشعر وهى

قبل هذا ، وذاك تنطوى على أعظم قدر من السخرية ، بالشعرذاته . أما فى مجال الرسم ، فقد ظهرت لوحات

المصوّرين الداديين وقد انتشرت عليها جزازات الورق الملوّن بطريقة لا معنى لها ، وهل كانت الحياة نفسها

تسير وفق اى منطق .
إن المصوّر " دى- شام " ليصنع

صورة " الموناليزا" كالتى رسمها " دافنشى " ولكنه يرسم لها شوارب رجل . إنه عبث متعمّد بكل القيم ، والسخرية المريرة منها .
ولكن هل كان ضمير العالم حينذاك يعرف شيئا اسمه القيم .
وكان

بعض الفنانين الداديين يوقعون بأسمائهم على السلع المصنوعة كما لو كانوا هم صانعوها ،وكما لو كانت من

مبدعاتهم ،فهل هناك فن أيسر من هذا ، كانوا يسمونه بالفن الجاهز .
والغريب ، إنها انتشرت سريعا ، وضمّت أسماء لها شهرتها فى مجال الفن التشكيلى والشعر أمثال " أندريه بريتون " والشاعر " بول إيلوار " والشاعر " اراجون" والمصوّر " ماكس إرنست " و" هانز آرب " ، بل إنها
اجتذبت إليها فى فترة من الفترات الفنانين : بيكاسو ، وباول كليه .
على أن كثيرين من أنصار الدادية سرعان ما انفصلوا عنها ،فى حين ظل بعضهم على ولائه لها مثل " هانز آرب " و " ماكس إرنست" حتى انتهت تماما.
انتهاء الحركة الدادية
كان آخر

معرض اقامه الداديون هو ذلك الذى أقيم بباريس سنة 1922 ، فى ذلك الوقت كانت الظروف العالمية فى أعقاب

الحرب قد تغيّرت تماما وكان زعيم هذه الحركة نفسها " تسارا " ، قد تنكّر لها . كما تنكّر لمبادئها الشعراء : إيلوار، وأراجون، وفيليب سوبر ، وأندريه بريتون ، الذى دعا إلى حركة
جديدة عُرفت باسم " السيريالية " وكان هو مقننها .
كانت

عدمية الدادية لا تقتصر على الشك فى قيم الفن فحسب ، بل كانت تشك كذلك فى الموقف الإنسانى بأسره

إذ بدا كل شئ عابرا ، جزئيا ، تافها ، وعميقا . وقد صاغ " تسارا " زعيم هذه الحركة هذه الرؤية العدمية للإنسان فى بيانه
الذى

أصدره باسم " الدادية " فقال :" كل فعل إنسانى ، عقيم ، إذا قيس بمعيار الأزلية ".
ومع ذلك

فإن الأهمية التاريخية للحركة الدادية تتمثل فى أنها لفتت الأنظار إلى الطريق المسدود الذى وجد الأدب والفن

نفسيهما فيه فى ذلك الوقت وإلى عقم التراث الذى لم يعد له حينذاك أى اتصال بالحياة الواقعية .

الصخرة النائمة - سلفادور دالى - فن سيريالى

السيريالية
كما تأثرت

الانطباعية بعلم البصريات ، وتأثرت التكعيبية بعلم الرياضة والهندسة الفراغية ، ظهرت الحركة السيريالية

متأثرة بنظريات علم النفس ولاسيما " اللاشعور " الذى كشف عنه العالم النمسوى " سيجموند فرويد " . حيث

نادت الحركة السيريالية بالتخلى عن الواقع الخارجى واستلهام ما يكمن فى عالم
اللاشعور

من عناصر مكبوتة .
الأنا ، الهو ، الأنا الأعلى
انتهى

تحليل " فرويد " للنفس الإنسانية إلى استكشاف ثلاث مناطق مختلفة فيها ،ولكنها متفاعلة فى الوقت نفسه
أولا

منطقة " الأنا " : وهى تعبّر عن الشعور وهى مصدر كسب المعرفة
والاتصال بالعالم الخارجى والتفكير المنطقى .
ثانيا

منطقة " الأنا الأعلى " : أو الضمير و الموجّه الأخلاقى والرقيب على سلوك الأنا .
ثالثا

منطقة " الهو " : تمثل العالم الباطن
فى نفس

الإنسان الذى تستخفى فيه كل الرغبات المكبوتة والمنسية بفعل العقائد والشرائع والقوانين والأعراف . وهذا

العالم الباطنى زاخر بالحركة ولكننا لا نشعر به فى حالة اليقظة والتنبّه ، فنحن نشعر بسلوكنا ، وقد نُخطئ فى تصرّف

ما ، ونلوم أنفسنا ، وهاتان العمليتان ، السلوك " الأنا " ، والمراقبة " الأنا الأعلى " ، نشعر بهما . أما عالم " الهو " فنشعر به
عندما يغفل " الأنا الأعلى " أو المراقب أو الضمير الذى يحاسب . فما يموج فى عالم " الهو " يظهر فى الأحلام

عندما يكون الإنسان نائما . أو فى أحلام اليقظة أو حالات التخدير أو نوبات الجنون .
عالم الواقع وعالم الباطن
أصبح

العالم عالمين ، عالما واقعا ، وعالما باطنيا . عالم يخضع للعقل ، وعالم يفلت من قبضته . وقد قضى الإنسان

قرونا طويلة من حياته يحاول أن يفهم ذلك العالم الواقعى ويستكشف حقيقته .وسواء أكان قد حقق فى هذا السبيل

شيئا كبيرا او صغيرا لا قيمة له ، فإنه لم يستكشف من قبل أغوار ذلك العالم الباطنى .
وقد وجد

السيرياليون أنه قد آن الآوان للدخول لهذا العالم واستخراج ما به
ففى

سنة 1924 ، أصدر " أندريه بريتون " بيانه الخاص عن السيريالية ، وفيه إعلان لحرب جديدة ضد القيود التى

كان يزعم أنها تحدّ من نشاط الفنان فى أثناء التجربة . كما يتضمّن الدعوة إلى الخلود إلى عالم الأحلام
الذى

تصوّر أن حلول المشكلات تختفى فيه . ومعروف أن عالم الأحلام ، عالم رحب لا يعرف أى نوع من القيود

أو الحدود ، فليس هناك منطق يؤلّف بين الأشياء فيه أو ينظمّها ، بل تتألّف الأشياء وتنتظم بمنطقها الخاص .
وليست هناك حدود زمانية أو مكانية تحدّد العلاقة بين الأشياء وتنظمها . ومع فقدان الحدود والفواصل الزمنية

والمكانية ، يصبح كل شئ ممكنا . وعلى هذا الأساس ، ظهرت الأشعار التى تبدو فى تركيبها وفى رموزها

كأنها تحكى حلما ، وكُتبت الروايات التى تحاول تصوير ما يموج فى العالم الباطن لشخوصها من هواجس ومخاوف ورغبات مكبوتة .
طريقة عمل الفنانين السيرياليين
حيث

عكست أعمالهم أخيلة وتصورات تتجاوز الواقع ، وكانت الرغبة متزايدة فى إخماد الحواس وإنامة الوعىّ

جعلت

السيرياليين يبحثون عن الوسائل المصطنعة التى تمكّنهم من تحقيق هذه الرغبة .
كان كثير

من السيرياليين يبيحون لأنفسهم استخدام المخدرات للحدّ من رقابة العقل فى أثناء عملهم ، وقد انتهى بهم الأمر

إلى أن صارت لوحاتهم مليئة بالرموز التى تُشبه الأحادى والتى يصعب على العقل الواعى إدراك مغزاها .
وقد

رسم " سلفادور دالى " الساعات المعدنية تتدلّى كالعجين من أعلى الجدران ، والرجل يضحك فتتصدّع الأرض وتنتهك أستار السماء من قهقهاته .
فرويد ينتقد أساليب السيرياليين
كان " فرويد " يشعر

بالتعاسة من إخاق العقل والمنطق عن تجنيب العالم من ويلات الحروب ، ففقد إيمانه بالعقل ، وراح يبحث عن بديل

آخر يمكن الوثوق فى مقدرته . وقد كان البديل هو العقل الباطن للإنسان .
وفى

هذا الصدد يقول " فرويد " : " إن العقل الباطن يهبنا حقيقة أصدق من الحقيقة العليا ، فى حين يعمل العقل

الواعى بذهن تقليدى غبى ، بدليل أن العقل عجز عن تفادى الكوارث والحروب ".
وانتقد " فرويد " كذلك

الأساليب التى يلجأ إليها الفنانون السيرياليون بتناولهم المخدرات لتغييب عقولهم ، إذ يُقال إن " فرويد : صرّح

ل " سلفادور دالى " حين زاره الأخير فى لندن بقوله :" إن ما آراه طريفا فى فنك ليس هو اللاشعور ، بل الشعور ".
وكأن " فرويد " بذلك يقول إن السيرياليين وقعوا فى خطأ التكلّف ، وانهم بما يصنعونه من رسم ، إنما هم واعون به .
التجريدية الحديثة
وهو

أسلوب غير مستحدّث كلية ، فقد عرفنا فى فصل سابق أنه كان اسلوب الفن الإسلامى ، وهو كذلك أسلوب مائل

فى الكنائس المسيحية الشرقية . ثم هو قبل هذا وذاك ، أسلوب مألوف فى الزخارف البدائية ، وإن اختلفت مضامينه

فى كل حالة من هذه الحالات .
الفن الأوروبى الحديث
والنزعة التجريدية
ظهرت

النزعة التجريدية عند ختام العقد الأول من القرن العشرين ، والبداية الحقيقية لظهور كانت على يد المصوّر

الروسى " كندنسكى " ، ويمكن أن نربط بين هذا الأمر وبين استخدام الأسلوب التجريدى فى الكنائس الشرقية

لندرك سرّ تأثر هذا الفنان – بطريقة غير مباشرة على الأقل – بهذا الأسلوب .
وقد استبدّت

الفكرة ب" كندنسكى " حين تأمل ذات يوم لوحاته التى رسمها لمنظر طبيعى – وكانت فى وضع معكوس – فصمّم

على رفض كافة اشكال الطبيعة عن اقتناع بأن الرسم كالموسيقى يمكن التعبير فيه بالألوان والأشكال المجرّدة

من المشاعر والأفكار ، كما تعبّر الموسيقى بالأصوات . وسرعان ما لقيت أفكاره رواجا بين الفنانين .
الحسّية والتجريدية
حيث

عبر " تيوفان ديزبورج" بقوله :" هناك حسّى ، لا تجريدى ، لأنه ليس هناك فى الحقيقة ما هو أكثر حسّية من

الخط واللون والمساحة ، فهذه فى مجموعها تمثل التشيؤ الحسى للروح الخلاّق ".
وهكذا

يختلط الأمر ، حتى ليُفسر التجريد الفنى بالحسّية .
إن الفن

التجريدى لا يهدف اساسا إلى تصوير الموضوع الخارجى ، ولكنه يهدف إلى تصوير ما يمكن أن نسميه بالموضوع

الداخلى أو الخيالى .
وقد روى " بازين " عن نفسه واقعة تؤكد هذا المعنى فقال :" رأيت فى وقت ما منظرا طبيعيا فيه أشجار

ومياه وأناس يستحمون ، فأثارنى هذا المنظر بعد ذلك بعشر سنوات ، فرسمت لوحة ، لم يكن فيها
اشجار

ولا مياه ولا أناس يستحمون . فقد كانت هذه الأشياء قد تلاشت فى انطباع كلّى تكوّن فى عقلى الباطن على

مدى عشر سنين بوصفه ذكرى ، ثم صُفى خلال عقلى وإدراكى ".
خصائص للنزعة التجريدية
أولا : أى محاولة للبحث فى لوحة تجريدية عن الموضوع الأصلى لها
، هى محاولة عابثة ومخفقة لا محالة .
ثانيا : إن التوصّل إلى الموضوع
التفصيلى

قد يكون ممكنا فى الفن التكعيبى ، حيث يبدأ الفنان نقطة انطلاقه من الموضوع الخارجى ، ثم يأخذ فى دراسته وفى إعادة تشكيله
وتظل

لوحته آخر الأمر واضحة الارتباط بهذا الموضوع ، أما فى اللوحة التجريدية ، فالموضوع ملغى ، أو هو لا يبقى – على أقصى تقدير – إلاّ بوصفه قيمة شعورية .
الأسلوب التكعيبى والتجريدى
والتشابه بينهما
حيث

يرتبط أسلوب التجريد فى بعض الأذهان بالاتجاه التكعيبى ، نظرا لأن كثير من اللوحات التكعيبية يتمثل فيها

نوع من التجريد ، فهذه الخطوط المستقيمة المتقاطعة
وما يتولّد

عنها من مساحات مختلفة بين مستطيل ومربع ومثلث وغير ذلك ، كل هذا يمثل عملية تجريد للشئ من تفصيلاته

الطبيعية . لكن الحقيقة ، إن المذهبين مختلفان كل الاختلاف ، بل متعارضان
فالأسلوب

التكعيبى لا يضحّى بالموضوع ولا يلغيه ، فهو بالنسبة لها يمثل البداية ، نقطة الانطلاق ، كما يمثل النهاية .
أما الأسلوب التجريدى فإنه كما يقول " مارسيل برييون ": " يدير ظهره للموضوع نهائيا ".
وينكر " بيكاسو " بصفة قاطعة

إمكانية قيام فنّ تجريدى ، فيقول :" ليس هناك فن تجريدى ، إذ لا بد أن ينطلق الإنسان من شئ ، ثم يكون فى وسع الإنسان فيما بعد
أن يستبعد كل مظهر من مظاهر الحقيقة الواقعة ، فليس فى هذا أى خطورة ، ذلك أن فكرة الموضوع تكون

عندئذ قد تركت أثرها الذى لا يزول ، إن الإنسان أداة فى يد الطبيعة ، وهى تفرض عليه طابعها ومظهرها ."
الفن التجريدى
والتجريد فى الفن والفرق بينهما

الفن التجريدى : يقول على التجريد الصرْف ، اى استبعاد الموضوع الأصلى كلية .
التجريد فى الفن : يتحقق – بنسب متفاوتة – فى الاتجاهات الفنية الأخرى ، لكن فى كل الأحوال ، لا يحدث استبعاد للموضوع الأصلى .
الأسلوب التجريدى
حيث

يطالعنا فى أعمال الخزف الصينى منذ العصر النيوليتى ، وفى زخارف أرض النهرين ، وفى الفن الإسلامى

وفى بعض الفن الأوروبى ، وإلى حد ما فى فن الشعوب الرّحل ، وفى الفن الحديث .
ولا شك أن

صورة المسيح البيزنطية التى تكاد تفقد كل الملامح الإنسانية – بوصف المسيح يعبر عن نوع من الأولوهية

لدى المسيحيين – هى أكثر قداسة لدى المسيحيين
من

صورة المسيح التى رسمها " زوير " فى واقعيته الكلاسيكية ، أو صورة المسيح التى رسمها " تيوبولو " والتى

تعتمد على البهجة التصويرية التى تبعثها الألوان فيها .
التجريد ومواجهة النزعة المادية
فالأسلوب

التجريدى هو أنسب الأساليب للتعبير عن القيم الروحية ، ولابدّ وأن يكون ظهوره فى الفن الأوروبى فى القرن

العشرين له دلالته ومغزاه من هذه الناحية .
فقد

لمس الإنسان فى هذا العصر طغيان المادة على كل شئ واستبدادها بحياة الناس وتحديدها لقيمهم وسلوكهم

فأراد الفن التجريدى أن يضرب بمعوله
فى

هذا الصنم - المادية – الذى صار فى هذا القرن هو الإله المعبود ، وأن يرد إلى الإنسان قيم روحية ومثل عليا .
ولأمر ما

لم يعش الفن التجريدى الحديث فى روسيا ، ولأمر ما كذلك ، هرب الفنانون التجريديون فى ألمانيا
من

وجه النازية الهتلرية ، وتحوّلواعن اسلوبهم ، أو كفوا تماما .
وأضيف

إلى أزمات الفن التجريدى كذلك أنه يحتاج إلى جهد خاص فى تأمله ومحاولة استيعابه .
الخوف الميتافيزيقى
ولقد كان

من اثر التطور العلمى الحديث أن استقرتفى نفوس كثير من الناس فكرة أن كل شئ وكل ظاهرة فى الحياة والحياة

نفسها ، إن هى إلا كينونات جزئية منتهية ، ومن ثم طغى الشعور " بالنهائى " على بعض الشعوب الأوروبية

وفى مقابل ذلك هناك الشعوب التى تعتمد فى نظرتها إلى الحياة على الشعور ب" اللانهائى " ، بالروح الخفى ، الأبدى المطلق .
ومن ثم

كانت الشعوب الأولى تعتمد الفن الموضوعى التجسيدى ،وكانت الشعوب الثانية تعتمد الفن التجريدى .
الشعوب

الأولى تتعامل مع الطبيعة فى ود ، وتحاول التفاعل معها فى تعاطف ثم يتحقق أثر هذه النظرة الودود فى أعمال

الفنان فيصوّر الأشياء وهو فرح بها.
أما الشعوب التى تسيطر عليها الشعور ب" اللانهائى " فإنها تقف أمام الطبيعة النهائية ، المتقلّبه، موقف الحذر والخوف ، وهو خوف يسميه " هربرت ريد " ب " الخوْف الميتافيزيقى " ، وتنعكس هذه النظرة فى أعمال

الفنان فإذا هو يحاول اجتياز حدود الطبيعة والواقع المادى سعيا وراء ذلك اللانهائى ، المطلق ، الأبدى .
وقد

لاحظ " هربرت ريد " ان الشعوب : الألمانى ، الروسى ، الهولندى ، وغيرهم يعرفون هذا الخوف الميتافيزيقى .
حقا ، انتشر الفن التجريدى
فى شتى

أنحاء القارة الأوروبية ، ولكن الفنانين الذين ساروا فى هذا الاتجاه إنما يعبّرون عن ذواتهم ، لا عن شعوبهم .
المستقبلية
تزامن

ظهور هذه الحركة مع ظهور الحركة التجريدية ، وقد انشغل أصحاب النزعة المستقبلية ب" الزمن " . الذى

نتج التفكير فيه ، عن " السرعة " التى تميز بها القرن العشرون
حيث كل

شئ يتحرّك بسرعة ، السيارات ، الطائرات الخ . ومن ثم نزع الفنانون للبحث عن وسيلة يحققون بها هذه " السرعة " وهذا " الزمن الممتد " فى فنهم .
الوسائل والأدوات المستخدمة فى
الفن التشكيلى لتضمين الزمن فى الأعمال الفنية

فالفنان

يواجه الزمن حين يريد التعبير عنه . وقد التفت الفنانون لهذا الأمر فى بداية النصف الثانى من القرن الثامن

عشر ، حين كتب الناقد " ولسنج " كتابا يناقش فيه مشكلة الزمن فى الفنون التشكيلية ، اثار التساؤل الأساسى

كيف ، وإلى أى مدى يمكن أن تتغلب
الفنون

التشكيلية على عنصر الزمن ، وتبرز الحركة ، رغم أنها أعمال فى طبيعتها جامدة فى المكان .
ولكن

الأدوات المستخدمة فى الفنون التشكيلية هى ذاتها أدوات جامدة ، فالألوان ، والأصباغ ، والقماش ، والحجارة

والمعادن والعجائن والخشب ، كلها عناصر جامدة قبل أن تُستخدم ، وتظل كذلك بعد أن تُستخدم ، إنها تكتسب

بلا شك معنى خاص على يد الفنان بعد تشكيلها ، فيصبح الحجر تمثالا لفارس ممسكا سيفا مثلا ، ولكن هذا الفارس يظل
هكذا إلى الأبد فى تلك اللحظة . كان محاولة التعبير عن الحركات الممتدة لفعل ما يشغل ذهن الفنانين بحق ، فهناك

فرق بين أن يرسم الفنان الشمس فى لحظة شروقها ، وبين أن تمتد حركة شروق الشمس لوقت أطول مما تصوره اللوحة .
محاولات الفنان القديم للتغلّب
على عنصر الزمن فى أعماله

حاول

الفنان التشكيلى فى البداية أن يصوّر التسلسل الزمنى فى مجموعة من الصور المتجاورة التى تحكى لحظات

الحدث فى مواقف متتابعة ، وإن ظلت كل صورة مستقلّة عن غيرها من الصور ، هذا الأسلوب عرفه الفنان

المصرى القديم واستخدمه كذلك
فنانو القرن الثالث عشر الإيطاليون فى تصوير حكايات القديسين . ولكن ماذا عن المثال الذى يصنع تمثالا كيف يتغلب على عنصر الزمن .
اعتمد الفنان المثال على اختيارلحظة زمنية ينحت عليها عمله ، فتكون دالة على عدة أفعال سابقة ولاحقة .
وبذلك فإن

المثال لا يصوّر الحركة نفسها ، بل يُوحى ويوهم بها . وقد حدث أن رسم المصوّر "بالا " صورة لابنته وهى تعدو

فجعل لها عدّة أرجل فى أوضاع مختلفة ، ليعبّر بذلك عن عدوها المستمر ، ولكن صديقا له أنكر الصورة حين رآها

فما كان من " بالا" إلا أن جعل
ابنته تمرّ مسرعة من خلف النافذة، وطلب من صديقه أن يراقبها حتى يستطيع تمييز حركاتها الجزئية التى دمجها المصوّر فى لوحته .
العلوم الطبيعية وطبيعة الزمن
أثبتت العلوم

الطبيعية الحديثة وعلم النفس إن الزمن ليس كيانا ماديا له حدود ، فليس للزمن طول ولا عرض ، وليس له – للزمن – ماضى

ولا حاضر ولا للمستقبل " لكن الإنسان هو الذى له ماضى وحاضر ومستقبل يقسم أحداث حياته فى الزمن

ولكن لا يقسم الزمن نفسه " . ومن ثم ، اهتم الفنانون بمحاولة تصوير الحركة
نفسها

وأن يدمجوا ما بين الزمن والحركة .
بارانوف روسينى والبعد الرابع
والفن السابع
وقد فتحت

محاولات المستقبليين فى هذا المجال ، الباب أمام ظهور ما يُسمى فى العصر الحديث " بالفن السابع " . وهو

فن السينيما ، وقد افاد منها المصور والنحات الروسى " بارانوف روسينى " ، فى محاولته
تصوير

الحركة فى الشئ نفسه ، وقد هدته تجاربه إلى استكشاف ما يُسمّى بالبعد الرابع للصورة
كتعبير

عن البعد الزمنى . وقد اعتقد " روسينى " أن ذلك ممكن عن طريق وضع الصور الملوّنة الواحدة بعد الأخرى

وتقييد عين المتلقى بالتلاعب والتداخل البصرى بين الصورة وما يسبقها وما يليها ، وقد ابتكر لتحقيق
هذا الهدف

جهازا بصريا خاصا .
ولقد تحقق

أخيرا تحويل الصورة إلى شكل متحرّك على يد " فايكنج إجلنج" مبتكر الأفلام التجريدية وذلك عن طريق تتابع

الصور وتراكبها ، تلك الصور التى تتغير وتتطور مع الحركة
بحيث

تصبح هى ذاتها حركة . وقد انتهت كل هذه المحاولات إلى " الفن السينيمائى " حيث تحل الحركة الحقيقية

وهكذا كان الفن السابع بكل ما دخل عليه من أساليب مختلفة ، نتيجة مباشرة لمغامرة الإنسان فى النصف الأول من القرن العشرين
فى مجال الفن التشكيلى ومحاولته تصوير الحركة أو الزمن .
وبعد ، فهل انتهت مغامرات الإنسان فى سبيل فهم الحياة والتعرف على نفسه ، والتعبير بالفن عن كل كشوفه الروحية .
نستطيع أن نقول : إنه ربما لم يكن ما ظفر به الإنسان فى هذه المجالات حتى الآن ، سوى مدخل متواضع إلى كشوف لا نهائية فى مستقبل حياته .
"انتهى بحمد الله تعالى العرْض التلخيصى لكتاب الفن والإنسان ، مع جزيل الشكر لكاتبه "

الكلاسيكية المتحرّرة
بداية ، أنوه إلى إضافة نقطة إلى المراحل التى تحدثنا عن تعبير الإنسان فيها بالفن عن معتقداته الدينية وظروفه الاجتماعية الخ ، وهى
إن الإنسان عبّر بالفن تجريديا عن معتقداته الدينية النابعة من العقيدة الإسلامية فى فترة العصور الوسطى .

ثم الحديث عن الكلاسيكية المتحرّرة فيما يخص :
الموضوعات

كل شئ مباح التعبير عنه ، ولكنها قضية المعالجة ، المعتقدات الدينية ، الظروف الاجتماعية ، الإنسان، النبات ، الحيوان ، الشجر الخ ، أطفال الشوارع ، المجاعات الخ .
المعايير الجمالية : لا شئ ثابت

إلا فيما يخص الاحتشام للشخوص الخاضعة للموضوعات الفنية ، ويرتبط هذا بأسلوب التعبير .
أسلوب التعبير

يمكن للفنان أن يستخدم ما يشاء من الأساليب والمذاهب الفنية ، حتى أساليب قصاصات الورق وجزازاته التى خصت الدادية لأن هناك
قضية هامة وهى : إن الفن انعكاس للواقع المعاش من ناحية ، ومؤثر فيه من ناحية أخرى . فيجب أن توجد منافذ للتعبير

عن السخط والتمرّد والغضب يجب أن تتاح الفرصة للفنان لأن يغضب ويثور حينما يشعر بأن هناك ما يستوجب

ذلك ، إنما كل ما نبغيه ، هو أن نتيح الوسائل للفنانين المحافظين
احرص

على حشمة موضوعاتك ، حشمة المرأة والرجل والطفل والشيخ وحتى الحيوان ، ولك أن تتمرّد وتثور .
العقل أم القلب أم الحدْس أم التجربة
كل

هؤلاء ، والموضوع هو الذى يفرض أسلوب التعامل معه ، هناك موضوعات قد ينفع فيها كل هذه الوسائل

وموضوعات يمكن أن تقسم بين هذه الوسائل ، وموضوعات ينفعها احدى هذه الوسائل ، ولكن الترتيب والتنسيق يظل للعقل .
خيال لصاحبة المدونة
قضية بيْع الأعضاء أو تجارة الأعضاء
لو أننى رسامة ، واردت التعبير عن هذه القضية عبر اساليب مختلفة
الواقعية الطبيعية
سأرسم رجلا ، رث الملابس ، قسمات الفقر والشح على وجهه ، يمد يدا يقبض بها المال من ناحية ، والأخرى يمسك بها جنبا له يئن نتيجة انتزاع كليته .
فى الانطباعية
سأقوم برسم الكلية ، وحولها تتجمع الأضواء راقصة فى ألم وغضب .
فى التكعيبية
مثل ما فى الواقعية الطبيعية، إلا أن الرجل يتحول هنا إلى خطوط مستقيمة ومثلثات ومربعات .
فى السيريالية
الكلية نفسها تشق جانب الرجل لتخرج منه وهى تنظر بنهم وجشع للمال .
فى التجريدية
بناء على شكل نقطة الدم .
وإلى اللقاء فى تحديثة قادمة بإذن الله تعالى












0 Comments:

Post a Comment

<< Home