Wednesday, July 25, 2007

تلخيص فصل : الناصرية ، الأسطورة والواقع ، د . رفعت السعيد، مكتبة الأسرة 2002


" لا يشعر البط البرى بحقيقة مأساته إلاّ عندما

يرى البط الطائر ، محلّقا فى السماء "

لعلنا لا نخطئ القول إذا قلنا إن الناصرية كظاهرة ، وفكرة ، وممارسة ، وحكم ، كانت الأكثر - من بين الظواهر

المماثلة - فى استقطاب التمجيد المبالغ فيه من جانب الأنصار ، والهجوم الذى بغير حدود من جانب الخصوم .

وكلاهما ، الأنصار والخصوم نظر إلى الناصرية بعين واحدة ، غيمة وحيدة خيمت فوق الرؤية ، إما حب مفرط

أو كراهية ملتهبة ، ربما لأن هذه عادة من عادات فكرنا العربى فى شقه السلبى وربما لأن " ناصر " نفسه كان

كذلك ، مفرط فى حبه ، وفى كراهيته . وتبدو الكتابة الموضوعية عن " الناصرية " أمرا غير مألوف ، ليس

هذا فحسب ، وإنما تبدو فى بعض الأحيان وكأنها أمر غير مفهوم أو حتى غير منطقى ( صديق مؤرخ مرموق

اتهمنا نحن من عانينا سجون عبد الناصر وعذاباتها ، ثم لم نتورط فى هجوم ، واكتفينا بكفتى ميزان متعادلتين

من مدح ونقد ، اتهمنا بأننا بلا إحساس ، والأمر لا علاقة له بالإحساس ، فمرارة العذاب والتعذيب ، والسجن

المتصل لم تزل تؤرقنا بدنيا وصحيا وعائليا و وجدانيا. صدقونى ، لم يزل طعم المرارة مرير فى فمنا ، أو فى

فمى أنا على الأقل ، لكن الأمر أكثر تعقيدا بكثير من هموم شخصية أو حتى جماعية ، أكثر تعقيدا من صورة

تلتقطها كاميرا مهما كانت صادقة ودقيقة ، فنحن بحاجة إلى أكثر من كاميرا تعمل فى آن واحد تلتلقط صورا

متناقضة ، يتداخل فيها السلبى مع الإيجابى ، بل ويفترض كل منهما الآخر ، لا أدرى لماذا ، يتركب فيها معا
وفى سبيكة لا يمكن فصل مكوناتها ، الحب والكراهية ، الامتنان والغضب ، الذى يصل إلى درجة الحقد ، الاعتزاز
والامتهان ، صور تتركب داخل بعضها - لا أدرى كيف - ويتلاحق فيها السلبى والإيجابى ، بحيث يبدو الأمر
مركبا وحتى غائما . والإيجابى فى الظاهرة الناصرية يمتزج وبشكل متداخل تماما مع السلبى ( فهل يمكن
مثلا فصل القطاع العام عن ديموقراطية الإدارة ، أو فصل جمال الشعارات والمقولات والقرارات عن قبح
التطبيق وتشوهه ). ولقد ظل البعض يستظل بظل الناصرية وينعم فى حراب نعيمها ، ويتسلق عبر شعابها
فى غمار متسلقين بغير حصر ، وينال من فيض الأغداق على المتسلقين والمؤيدين بلا تردد ، وما أن كانت
لحظة الغروب حتى انقض هذا البعض نفسه وبنفسه ، ودون إلحاح أو طلب من أحد ، انقض مهاجما ، تماما
كما ينقض مؤيدا ومصفقا ، نفض عن نفسه رداء النفاق الناصرى ليرتدى الزى الجديد . ومنْ يبدأ رحلة
الهجوم المتشدد على كل ما كان يتعبده بالأمس ، يبحث ويداب عن نقيض يناقض كل ما قال وما فعل ليقوله
ويردد ويكتبه ويفعله بلا خجل . أما نحن من انتقدنا فى الماضى ، ونالنا ما نالنا بسبب هذا النقد - حتى ولو كان
محدودا أو كان همسا - فقد فرض علينا ضميرنا أن نلتزم بالحق ، ذات الحق الذى التزمنا به عندما انتقدنا
الممارسات غير الديموقراطية ، نلتزم به اليوم لإبراز الإيجابى إلى جوار السلبى . والأخوة الناصريون يزيدون
الأمر تعقيدا ، ينتقون فقط ما هو إيجابى ، ويرفضن بشدة شديدة التعصب أية محاولة لأى نقد ولو طفيف ، فيستثيرون
بهذا الموقف الشديد رياح التعصب المضاد ويكادون يفرضوا سياجا يمنع التقييم وحتى الموضوعى منه ، فمن
اراد أن يبقى على شعرة معاوية بينه وبين الناصريين - لأسباب سياسية أو حتى فكرية - لا يجد مناصا من الصمت .
فإما يمتدح وفقط وهو لا يقبل بذلك ، وإما أن يقدم كتابة موضوعية فيفقد كل شعيرات معاوية بينه وبين حزب
وتيار يُفترض فيه أنه صديق وحليف . ولو أن الناصريين أنصفوا أنفسهم وحلفاءهم وأنصفوا فكرتهم ماضيها
وحاضرها ومستقبلها ، وأنصفوا الدعوة إلى التقييم الموضوعى للحدث - أى حدث - لبادروا ، وسبقوا الجميع
بنقد ذاتى شجاع ينتقد ما كان من أخطاء وهى كثيرة ، ينتقدها ، أقصد يدينها ، دون أن يبرّرها ، أو يمرّرها
أو يتغاضى عنها أو يقلل من شأنها ، ساعتها سيفتحون أمام فكرتهم ، وأمام حزبهم أو تياراتهم صفحة جديدة
قد تكون بداية تطور جديد للفكرة ومستقبلها ، ولكنهم للأسف لم يفعلوا . ولعل البعض يعتقد أن النقد الذاتى
سوف يفتح الباب أمام الخصوم ، لكن العكس هو الصحيح ، فإن الآذان والأسماع والأبصار ، الموضوعى منها ،
والمخلص منها لمصر ولمستقبلها - وهى ما نعتد به ونهتم - سوف تتجه نحو النقد الذاتى ، وسوف تُعرض عن
كل لغوّ . فى حين إن تشبث الناصريين بعدم نقد التجربة السابقة يقدّم الإيحاء بعدم جدية ما يقولون به من دفاع
عن الديموقراطية أو تمسك بها ، بل ويفتح الآذان أمام الهجوم والتهجم وحتى غير الموضوعى منه .
ثورة يوليو والتيارات المختلفة :
أولا : إبراهيم شكرى الأمين العام لحزب العمل " الاشتراكى " كما كان يُسمى آنذاك " ، يقول :" إن دعوة الحزب
الاشتراكى كانت دليلا لثورة يوليو التى استمدت مبادئها الستة من برنامجه ، ثم يقول : إن الثورة نفّذت
الكثير مما نادينا به ، فمن حقنا أن نكون حراسا على هذه المبادئ التى دفعنا ثمنها غاليا .".
ثانيا : صالح أبو رقيق عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين - قبل حلها ومرشدها العام فيما بعد - يؤكد :
" نحن أصحاب الثورة ، وليس أولئك الذين يدّعون الآن " ، بينما يُعلن عمر التلمسانى - عندما أصبح مرشدا
عاما للجماعة - :" كان الاتفاق الأول بين الضباط الأحرار وبين الإخوان المسلمين أنه فى حالة نجاح الحركة
أن يُطبّق شرع الله فى حكم هذا البلد ، ولكن ما أن استقر الحكم لجمال عبد الناصر حتى تنكّر للإخوان " .
ثالثا : الحزب الوطنى الديموقراطى "الحاكم " ، والذى أسّسه الرئيس الراحل أنور السادات ، اختار برغم ما هو منسوب
إليه من تحد لتجربة عبد الناصر أن يخوض معركة انتخابات مجلس الشعب عام 1984 ، ببرنامج انتخابى يقول فيه أنه هو :
" التعبير الحىّ عن الالتزام بتطبيق مبادئ يوليو من أجل الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية وتأصيل
الديموقراطية .
رابعا : حزب الوفد الجديد ، يحرص ويعد بطبع برنامجه العام الأول أن يضيف إلى هذا الكتيب ورقة منفصلة معنونة
استدراك تؤكّد :" إن المؤسسين لحزب الوفد الجديد يعلنون تمسكهم بالقيم والمبادئ والمفاهيم التى استقرب
فى ضمير الشعب ومبادئ 23 يوليو الستة ، وثورة 15 مايو الاشتراكية الديموقراطية ". ولعلّ هذا الاستدراك
كان مفروضا بنص فى قانون الأحزاب ، فأراد الحزب وضعه منفصلا ليسهل التخلص منه فيما بعد .
خامسا :
حزب الأحرار الاشتراكيين ، كان يقرّر فى برنامجه أنه الاامتداد الطبيعى لثورة يوليو .

جمال عبد الناصر

النظرية والتطبيق

أولا : النظرية

عندما نصل إلى هذه الأسئلة التى تفرض نفسها علينا ، نجد أن هناك اختلافات فى تحديد ما هى الممارسة ، وما

هى النظرية ، وأن هناك أحيانا ، محاولات لتبسيط أو تسطيح هذا الفهم . ونبدأ بكلمات عبد الناصر :" فرضت

علينا ظروفنا أن يسبق تطبيقنا الثورى ، النظرية ، ولكن ما هى النظرية ، إنها دليل العمل ، الذى هو الممارسة

ودراسة المشكلات التى يواجهها المجتمع ". ويزيد عبد الناصر الأمر تبسيطا ، فيقول فى نفس الخطاب :" بيقولوا

يا جمال اعمل لنا نظرية ، إنتم اللى عليكم تعملوا النظرية ، المثقفين هم اللى عليهم يعملوا النظرية ، يوم

ما ألاقى كتاب طالع عن الاقتصاد بتاعنا ، والتجربة بتاعتنا ، أو إيه اللى يجب يحصل ، اشعر أن هذا الكتاب

هو جزء كبير من النظرية ". ولعلنا إذ نرفض هذه الفكرة المبسطة للغاية عن كيفية تخليق نظرية للعمل الثورى

من إطار عملية " ممارسة " ثورية ، فإننا قد نقر عبد الناصر فى حدود ظروفه ، وتجربة تنظيم الضباط الأحرار

عندما يقول فى نفس الخطاب :" ناس كثير بيقولوا ما عندناش نظرية ، فين النظرية إللى احنا ماشيين عليها ،

أنا بأسأل إيه هى النظرية ، أنا بأقول ما كانش مطلوب منى أن أبدا فى يوم 23 يوليو ، إنى أطلع معايا كتاب

مطبوع وأقول إن هذا الكتاب هو النظرية ، مستحيل ، فلو كنا قعدنا نعمل الكتاب قبل 23 يوليو ماكناش

عملنا

الثورة ". وهذا طبيعى لأسباب عديدة ، منها اختلاف المشارب الفكرية والطبقية للضباط والسياسية للضباط الأحرار .

وهذه الفقرة من خطاب عبد الناصر صحيحة ، ليس فقط لاستحالة ابتداع الفكرة دون أدنى ممارسة - فى واقع

متميز بتعقيد خاص - وإنما أيضا لسبب يشير إليه الباحث السوفييتى جارشيف ، يقول :" لم يسعف الوقت الضباط

الأحرار فى فترة الإعداد للقيام بالثورة ، لتطوير وجهات نظرهم السياسية ، وبلوغ تصوّر محدّد للمجتمع الذى

ينشدونه ، كان بعضهم متعاطفا مع الإخوان المسلمين ، بينما يميل البعض الآخر إلى الماركسيين ، أما الغالبية

ومنها عبد الناصر ، فكانت تعتبر نفسها من ذوى الانتماء الوطنى العام . " . ويعيد محمود أمين العالم ، التأكيد

على نفس الفكرة ، فيقول :" كان مجلس قيادة الثورة يشكّل تحالفا بين جبهات ثلاث ، الشيوعيون " منظمة

الحركة الديموقراطية للتحرّر الوطنى - حدتو" ، والإخوان المسلمون ، ثم كتلة الوسط التى يمثّلها جمال عبد الناصر

وصحبه . ولكن سرعان ما تحقق الاستقطاب لصالح كتلة الوسط عام 1954 ". كانت منظمة الضباط الأحرار

إذن تعبيرا جبهويا بين قوى سياسية متمايزة ، لم يكن بإمكانها أن تتوافق على ما هو أكثر من الخطوط الوطنية

والديموقراطية والاجتماعية الشديدة العمومية ، ولو حاولت الانحياز إلى موقف ما خارج إطار هذه العمومية

لانفرط عقد التحالف . يبقى أن نتأمل عبارة لواحد من الذين صاحبوا عبد الناصر عن قرب شديد ، سواء فى

إطار تنظيم الضباط ، أو إطار ممارساته كحاكم فى الأيام الأولى لحكمه ، يقول أحمد لطفى واكد :" إن عبد الناصر

لم يكن ينتمى إلى اليمين الإخوانى أو اليسار الماركسى ، كان موقعه أقرب إلى الوسط الليبرالى ، ولقد كان

عبد الناصر من الذكاء واللباقة بحيث جعل اليمين يضع فيه أملا ، واليسار يضع فيه أملا ، ولا يتورّط هو

بأى التزام ". باختصار ، كان افتقاد الليبرالية ، وحرية الفكر ، وحرية الإبداع ، حاجز أمواج يمنع أية محاولة

جادة للتاصيل النظرى ، بينما تدفقت كتابات يسودها النفاق ، وتكرار ما يقوله الزعيم . باختصار مرة أخرى ،

لا إبداع نظرى دون ديموقراطية . وهكذا يمكن القول بأن افتقاد الديموقراطية أدى إلى توقف الثمرة الفكرية

المستقاة من ممارسات حكم عبد الناصر . فإذا ما اتفقنا على أن " النظرية هى نسق من المعرفة المعمّمة

وتفسير للجوانب المختلفة للواقع " . وعلى أن " المذهب هو تنظيم المعرفة وتجميعها فى كل موحّد ". إذا ما

توافقنا على هذين التعريفين ، أمكن القول بأن تجربة عبد الناصر العملية لم يمكنها أن تُفرز نسقا نظريا ولا مذهبا

يمكن إخضاعه للتحليل أو المقارنة بغيره من النظريات والمذاهب . والوثيقة المعتمدة من عبد الناصر ، وهى الميثاق

الوطنى ، هى فى أحسن الافتراضات برنامج سياسى عام ، وهذا ما يؤكده الميثاق نفسه ، إذ يقرّر فى مقدمته

" إن هذا الشعب المعلم راح أولا يطوّر المبادئ الستة ويحركها بالتجربة والممارسة والتفاعل الحىّ مع

التاريخ القومى تأثيرا به وتأثيرا فيه نحو برنامج تفصيلى يفتح طريق الثورة إلى أهدافها اللامتناهية ". بل هو

كما أكد عبد الناصر نفسه برنامج مرحلى يتعين إعادة النظر فيه بعد فترة حددها بثمانى سنوات ، ولقد انتهى هذا الوقت

ومضى زمن طويل ، ولم يفكّر أحد تفكيرا جادا فى إعادة طرح هذه الوثيقة - البرنامج ، للفحص الانتقادى بهدف

ملاءمتها مع ما هو جديد فى الوقاع ، الأمر الذى دفع البعض إلى اعتباره مجرد وثيقة تاريخية يصبح اللجوء إليها

لتطبيق نصوصها ، كمحاولة لاستخدام دواء انتهت مدّة صلاحيته . ولأن عبد الناصر لم يحاول أن يقدّم استخلاصات

نظرية ، فإنه ترك ذلك لمحاولتين تناقضتا مع بعضهما البعض إلى درجة التضاد الظاهر ، فمن جانب - وبشكل

عملى أيضا - أطلق عملية التثقيف والتخليق الثقافى والفكرى وباتجاه متقدم للغاية فى إطار منظمة الشباب

الاشتراكى وفى إطار المعهد العالى للدراسات الاشتراكية (الكوادر للاتحاد الاشتراكى - والتنظيم الطليعى

المتواجد داخله ). ومن جانب آخر ، منح الفرصة لأساتذة ذوى فكر محافظ تماما كى يقدموا المعادل ، الذى اعتادت

التجربة الناصرية على استخدامة لموازنة أى توجّه يسارى ، فقدم هؤلاء المحافظون تصفيقا للفكر وممارسات

الزعيم ولكن بنغمات وتوجهات يمينية تماما ، وهكذا ظلت عملية التخليق النظرى " محلّك سر".

ثانيا : الممارسة :

ويمكن أن نُلقى الضوء عليها عبر ثلاث مسارات رئيسية :

أولا : المعركة الوطنية .

ثانيا : التطور الاجتماعى .

ثالثا : مؤسسات واساليب الحكم الناصرى .

لكننا نخطئ لو وضعنا فواصل حاسمة بين كل من هذه المسارات ، فهل يمكن مثلا تصور عملية التطور الاجتماعى

بعيدا عن المعركة الضاربة ضد الاحتلال البريطانى والإمبريالية الأمريكية والصهيونية ، لست أعتقد ذلك . يقول

اجارشيف :" إن خبرات البلدان النامية تؤكد أن الوطنيين الحقيقيين الشرفاء الذين يؤمنون بفكرة القومية ،

يتفهمون إن آجلا أو عاجلا ضرورة تحديد موقفهم من طبقات الكادحين ، وتوضيح موقفهم الأيديولوجي".

ويقول الأكاديميان السوفيتيان ، بيلياييف ، و بريماكوف :" إن أيديولوجية عبد الناصر كرجل دولة وسياسى ،

هى أيديولوجية ممثلى الفئات الاجتماعية المتوسطة الذين صاروا انطلاقا من المواقف الوطنية المبدئية يقتربون تدريجيا

من الاشتراكية العلمية ". كان هذا هو المنطق السوفييتى الصديق ، أما المنطق الغربى المعادى ، فكان يعتبر

أن التوجه الاجتماعى لجمال عبد الناصر هو مجرد ثمرة لتقاربه مع السوفييت ، أو هو الثمن الذى يدفعه مقابل

ما تلقّى من مساعدات سوفيتية .

أولا : المعركة الوطنية :

يندر أن نجد زعيما استحوذ على كل هذا القدر من التأييد الشعبى والجماهيرى خلال وقفته ضد الاستعمار والإمبريالية

والصهيونية ، فمن خلال المعركة ، ضد الاستعمار ، تكونت " كاريزما " عبد الناصر ، والتى كانت شديدة التأثير

ولم تزل . يقول باتريك سيل :" اصبحت صورة عبد الناصر فى أذهان الجماهير العربية محببة اكثر فأكثر

منذ إعلانه الحرب بلا هوادة ضد الاستعمار وحلف بغداد فى الأعوام 53 - 1955 . ويؤكد باحث آخر نفس

الفكرة قائلا :"ومع ذلك كان على عبد الناصر أن ينتظر حتى يوم 26 يوليو 1956 ، كى يتمّم عبوره التاريخى

إلى الصورة الكاريزمية الخاصة به . ففى ذلك اليوم أعلن عبد الناصر تأميم الشركة البحرية العالمية لقناة

السويس ، وهكذا لم يؤد تأميم القناة إلى إدخال عبد الناصر فى عقول غالبية الجماهير المصرية والعربية

فحسب ، بل وأدخله فى قلوبهم ايضا ، والواقع أنه قد تم رسم الخط الفاصل بين عبد الناصر الرجل القوى

فى الانقلاب العسكرى ، وبين عبد الناصر الزعيم المستحوذ على محبة جماهير واسعة فى أنحاء كثيرة من

العالم مع نهاية عام 1956 وبداية عام 1957 ". ولقد تميّزت معركة عبد الناصر ضد الاستعمار ليس فقط

باستمراريتها ، وإنما بشموليتها فقد اتخذت بعدا عالميا ، وتبدى الأمر وكان ناصر يلاحق كل اشكال الاستعمار

فى كل أنحاء العالم ، ففى إفريقيا كانت المخابرات المصرية سندا لحركات التحرر الوطنى ، وكان بيت إفريقيا

فى شارع أحمد حشمت بالزمالك ، مركزا لحركات التحرر ، الوطنى الإفريقية على اختلاف اتجاهاتها ، واصبح

عبد الناصر زعيما إفريقيا ، وامتدت الكاريزما الناصرية حتى أعمق أدغال إفريقيا وحتى فى أمريكا اللاتينية ،

وُجدت بصمات ناصرية حاولت ملاحقة النفوذ الاستعمارى هناك ، ولعل هذا قد منح النفوذ الناصرى عند أصدقائه

واعدائه على نطاق العالم بُعدا خاصا ، وعمقا خاصا ، وأهمية خاصة . ومن الضرورى كذلك أن نشير إلى ان

عبد الناصر لم يكن فقط زعيما مناهضا للاستعمار بشكل راديكالى وحاسم ، ولكنه كان من الذكاء بحيث أتقن

فن الاستفادة من معركته هذه ، سواء على الصعيد الدولى أو العربى أو المحلى أو حتى فى صراعاته من خصومه

المحليين . فقد أتقن عبد الناصر فن استخدام " الكاريزما " ، وتطويرها بعد أن تعرف على مصدرها ، ولم يعد

عبد الناصر مع نهاية عام 1956 ، مجرّد رجل قوى ضمن رجال الانقلاب ، إذ كان قد أصبح زعيما كاريزماتيا

قويا ، وكان لهذا التطور نتائج حاسمة على مجمل بناء القوة بشكل عام ، وعلى عملية صنع القرار بشكل خاص ،

كذلك فإن عبد الناصر قد استثمر دوما مصدر قوته الجديد هذا ، ووظفه فى خدمة تعزيز مكانته ، ليس فى مواجهة

خصومه وأعدائه فحسب ، بل وفى علاقاته مع زملائه أيضا ، وهكذا لم يعد عبد الناصر الأول بين متساوين ،

ولكن الأول دون متساوين . لكن عبد الناصر لم يكن من ذلك النوع من السياسيين الذى يتخذ موقفا أحادى

الجانب تاركا بقية الفرص ، ففى الوقت الذى خاض فيه المعركة ضد الاستعمار ، وكان من الضرورى - تبعا

لذلك أن يطور علاقات إيجابية مع الاتحاد السوفيتى والمعسكر الاشتراكى - ، فقد ظل راغبا وحريصا ، بل

وناجحا فى الإبقاء على علاقة ما مع أمريكا والغرب . ولعله كان هو نفسه صاحب الإيحاء الذى طالما تحدث

عنه الكتاب الغربيون والقائل بأن أمريكا " كانت سعيدة وراضية عنه ، ليس فقط لأنه غير شيوعى ، وإنما

لأنه أفضل حاجز ضد الشيوعية فى الشرق الأوسط ". ويحاول الكتّاب الغربيون التأكيد وبتفاصيل متعددة - قد

يكون بعضها صحيحا - على هذه المسالة ، ولعل أبرز هؤلاء المحاولين ، أنتونى ناتنج ، الذىيؤكد أن : " لعبة

عبد الناصر هذه إنما كانت مستقاة من دروس هذا البهلوان الدبلوماسى البارع " تيتو". بل ويؤكد :" أنه بينما

كان الفنيون المصريون فى تشيكوسلوفاكيا للتدريب على السلاح الجديد ، ظل عبد الناصر ممسكا بمسودة

اتفاقية التسليح مؤكدا للملحق الجوى الأمريكى أنه لم يوقّع عليها بعد ، وأنها قد تظل على مكتبه حتى يستنفذ

كل أمل فى الحصول من الغرب على الأسلحة ". بل إن ناتينج ، يلمح إلى أن عبد الناصر قد تلاعب بتشكيل

حكوماته كجزء من قواعد اللعبة ". وفى عام 1965 ، أصبح النقص فى القمح خطيرا ، ومع ذلك ، وعندما

تولى زكريا محيى الدين الذى كانت واشنطن تعتبره مواليا لأمريكا رئاسة الوزارة خلفا لعلى صبرى ، فى أكتوبر 1965 ،

طرأ تساهل واضح فى موقف أمريكا تجاه مصر ، وفى 30 نوفمبر وافقت الولايات المتحدة على تزويد مصر

بشحنة أخرى من القمح قيمتها 20 مليون جنيه . لكننا نحذر من الشرك الذى يحاول كتّاب الغرب أن يسوقوننا

إليه ، إنهم يستخدمون بعض الحقائق مثل سياسة العداء للشيوعية ، ومثل سياسة الإمساك بأكثر من خيط فى وقت

واحد ، وهى مسائل يمكن تفهم بواعثها الطبقية والسياسية والشخصية ، محاولين إضفاء مسحة غير ثابتة ، بل

وغير أخلاقية على معركة العداء للاستعمار . ولم يغفر الأمريكيون ، ولن يغفروا لعبد الناصر أنه صاحب ومنظم

وصانع واحدة من أعلى موجات العداء للإمبريالية ، والتى لم تنحسر بعد .

ثانيا : التطور الاجتماعى :

لم يحتج الأمر إلى تردد ، فمنذ ما قبل ليلة 23 يوليو 1952 كان عبد الناصر قد حسم أمره متخذا موقفا واضحا

ضد الإقطاع وربط بينه وبين الاستعمار ، وأكد أنه لا يمكن توجيه الضربة ضج الاستعمار دون ان يسبقها

تصفية عملائه فى الداخل ، وحددهم بشكل اساسى فى الإقطاع . وفى 9 سبتمبر 1952 أصدر قانون الإصلاح

الزراعى الأول ، حيث تصورّ عبد الناصر أن بإمكانه أن يستند إلى البروجوازية "الرأسمالية " ، والتى تصوّر

عبد الناصر نظريا أنها وبالقطع ضد الإقطاع وأنها سوف تنهض بعملية التنمية استجابة لنداءاته ومساندة له فى موقفه

ضد خصمها المفترس " الإقطاع ". لكن عبد الناصر كان يعتمد فى ذلك على رؤية مجرّدة لا تستند إلى دراسة

متأنية لتاريخ نشأة الرأسمالية المصرية على وجه التحديد . لكننا سنقدم ملاحظات عاجلة للغاية حول نشأة

الراسمالية المصرية آنذاك :

أولا :

لم تشهد مصر ذات التطور الذى طرأ على الحرف والحرفيين فى أوروبا . بل على العكس ، ومنذ منتصف

القرن الثامن عشر ، توافدت إلى مصر أفواج من الصناع والحرفيين الأوروبيين لتقوم بعملية تطوير الإنتاج

الحرفى وسد احتياجات الأجانب والعناصر المتأجنبة والأثرياء المصريين أو الذين من اصول تركية ( الذين كرّسوا

جزءا كبيرا من ثرواتهم للعيش بنمط أوروبى أو متفرنج ). ، كما انتشرت سلسلة من المتاجر الأروبية النمط التى

استوردت كل متطلبات الرخاء والتمدن التى تطلع إليها أثرياء المصريين . بينما انزوى الحرفيون القدامى أو بالدقة

المصريون بحرفهم وأدواتهم البدائية فى الأحياء الشعبية لسد احتياجات سكانها ، وهى بالطبع احتياجات

بدائية ، ومحدودة وغير متعجلة لعملية التطوير ، ومن البديهى أن من يقتصر إنتاجه على سد الحاجات

البدائية للفقراء ، سيبقى فقيرا وعاجزاعن التطور .

ثانيا :

وحتى فى التجارة انقسمت الأسواق ، حيث تمركزت فى قلب العاصمة سلسلة المتاجر الأجنبية التى لم تزل

اسماؤها لامعة منذ منتصف القرن الثامن عشر وحتى الآن ، بينما انزوى المصريون العطارون والعقادون والحرايرية

فى الأحياء الشعبية الفقيرة يلبون احتياجات سوق الفقراء المحدود بطبيعته ، وكان ميدان العتبة هو الحد الفاصل

بين سوق الفقراء " الموسكى وما يليه " ، وسوق الأغنياء حيث المتاجر الأجنبية . حتى أن محمد التابعى كتب

متهكما مطالبا الحكومة بافتتاح سفارة مصرية فى حىّ وسط البلد .

ثالثا :

كان الفهم الإسلامى المتشدد يرفض حتى مطلع القرن العشرين فكرة المصارف ،الفوائد - التأمين ، ويعتبرها

ربا محرما ، وهو الأمر الذى وضع الإمام محمد عبده حدا له ، بفتوى شهيرة أباحته ، وبديهى أن أى نظام

راسمالى

يستحيل عاجزا عن أى نمو بدون نظام مصرفى وتأمينى فاعل ونشط .

رابعا :

كان ازدهار الزراعة الناجم عن تحسين شبكات الرى والصرف وهى المهمة التى تابعها " كرومر" بنجاح

باهر

قد أدى إلى زيادة الريع الناجم عن عملية الاستغلال الزراعى ، بما حفز تراكمات أموال التجار وغيرهم إلى التوجّه

نحو اقتناء الأرض التى كانت بذاتها مصدرا للمهابة الاجتماعية .

خامسا :

كانت البورصة هى مجال التعامل فى المحصول الزراعى الرئيسى وهو القطن ، مما دفع كبار الملاك إلى المضاربة

بأقطانهم فى البورصة مقلدين بذلك المضاربين الراسماليين الأوروبيين ، ومستخدمين نفس اساليبهم ، ينتجون

المحصول ككبار ملاك عقاريين ويبعونه فى البورصة التى هى شكل راق للتداول الراسمالى . ففى الفترة من 1900

وحتى 1907 ، أنشئت 160 شركة برأسمال قدره 43 مليون جنيه ، وكان 92 % منها ، راسمال أجنبى

و 8 % فقط محلى ( مع ملاحظة أن كلمة محلى لا تعنى مصرى ، وإنما قد تعنى - وهو الأغلب - عناصر

من المتمصرين أو الشوام أو الذين بلا جنسية ، والذين توافدوا على مصر واقاموا بها بحرية ، لأنهم كانوا

رعية عثمانية ) . وحتى أعوام 1934 - 1936 ، كان نصيب الراسماليين المصريين فى الشركات القائمة

47 % ، ونصيب الأجانب 53 % . وكان 98 % من المشتغلين فى البورصة من الأجانب . وهكذا ، فإن

الراسمالية المصرية التى تبلور انبعاثها الحقيقى بإنشاء لجنة التجارة والصناعة المصرية عام 1917 ، ثم مع

إنشاء بنك مصر فيما بعد ، هذه الراسمالية المصرية لم تنشأ فى تناقض مع كبار الملاك العقاريين ، وإنما نشأت

من رحمهم ، كما أنها قد نمت على وسادة أجنبية . ولابد أن ذلك كله قد اثر على مواقفها ، ولاشك أنه هو الذى

يفسر لنا الكثير من التعقيدات فى التركيبة الاجتماعية وفى المواقف السياسية لأحزاب ، كحزب الوفد ، والأحرار

الدستوريين والسعديين ولمواقف الرأسمالية المصرية من كبار الملاك ، ولمواقفها من الاستعمار الأجنبى

والأجانب . ولابد أن ذلك كله قد غاب عن ذهن عبد الناصر إذ تصور فى 9 سبتمبر 1952أن توجيه ضربة

للإقطاع ، سوف يفرز بذاته المزيد من الحماس الرأسمالى ، لم يدرك عبد الناصر إلاّ متأخرا أن 9 سبتمبر قد

باعد بينه وبين الراسماليين الأمر الذى وضع الأساس لعملية التأميم فى عام 1961 . - ( قد يبدو مثيرا للدهشة

إجراء مقارنة بين قوائم اسماء الذين خضعوا لقانون الإصلاح الزراعى الأول 1952 ، والذين خضعوا لقانون

تأميم المؤسسات الصناعية والراسمالية 1961 ، فالأسماء واحدة تقريبا، فذات الأسر تقريبا كانت تمتلك أنشطة

وأملاكا فى المجالين ، والأمثلة كثيرة : أحمد عبود باشا ، كان راسماليا احتكاريا ، وفى نفس الوقت مالكا لأكثر

من اربعة آلاف فدان ، وأسرتى البارودى عاشور ، وسراج الدين كانتا تمتلكان عشرات الآلاف من الأفدنة

واسهمتا فى

تاسيس أحد البنوك ) _ . وعلى أية حال ، لقد وجّه عبد الناصر الضربة الأولى للإقطاع ثم مضى فى معركته

ضد الاستعمار تلك المعركة التى قادته إلى " التمصير " أى توجيه الضربة إلى الراسمالية الأجنبية ثم كانت التأميمات

فى عام 1961 . لقد أحدث عبد الناصر ما هو أكثر من مجرد إجراءات اجتماعية ، وإنما أدخل متغيرا على

البنية الاجتماعية المصرية . وعلى أية حال ، وبرغم كل السلبيات ، فإن أحدا لا يجادل فى أهمية وكم وفاعلية

هذه الإجراءات الاجتماعية التى لم تزل إلى الآن تلعب دورا فاعلا - رغم كل التراجعات - فى المحتوى الاجتماعى

والسياسى والنضالى فى مصر ، لكننا نود أن نشير إلى أن هذه الإجراءات الاجتماعية قد اثمرت - ولعل من أهم

ثمارها - عملية تخليق فئات اجتماعية جديدة هم :

أولا : عمال القطاع العام .

ثانيا : فلاحو الإصلاح الزراعى .

ثالثا : ثم ، ومع ارتفاع مستوى معيشة هاتين الفئتين ، ومع مجانية التعليم الجامعى ، أفرزت هاتان الفئتان ، فئة

ثالثة لعبت ولم تزل تلعب دورا هاما ، وهى المثقفين من ابناء الفئتين السابقتين .

إن هذه الفئات الثلاث ، لعبت دورا اجتماعيا وسياسيا هاما، ولعل عوامل الارتداد الحالية تستهدف التصفية

النهائية أو شبه النهائية لهذه الفئات الثلاث.

ثالثا :

أساليب الحكم :

ثم نأتى إلى القضية التى أثارت أكبر قدر من الجدل ، ولم تزل ، وهى قضية مؤسسات واساليب الحكم فى عهد

عبد الناصر . ولنتحدث عن ثلاثة مواقع أساسية : التشريع والحريات العامة ، البيروقراطية ، المؤسسة العسكرية .

التشريع والحريات العامة

فيما قبل 1952 ، أكد الضباط الأحرار التزامهم بالديموقراطية وبالدستور ، وبتصفح منشورات الضباط الأحرار

يمكننا أن نكتشف عبارات مثل : "أيها الضباط ، إن حريتكم رهينة بحرية الشعب ، فكافحوا من أجل الحرية فى كل مكان ".

ويُختتم المنشور بـ" تسقط الأحكام العرفية ". ولكن ، فى 10 فبراير 1953 ، صدر إعلان دستورى ينص على :" يتولى مجلس

إدارة الثورة أعمال السيادة العليا ، ويتولى مجلس الوزراء السلطة التشريعية ، ويتولى السلطة التنفيذية

مجلس الوزراء ،والوزراء ، كل فيما يخصه ". ولسنا نريد أن نتحدث عن ذلك طويلا ، فقط نشير إلى أن السلطة

قد تم استجماعها فى قبضة واحدة ، وأن وعود الدستور والبرلمان قد تأجلت ، وتجدر الإشارة إلى أن لجنة الدستور

التى يبدو أنها صدقت ما هو موكول إليها ، قد انهمكت طوال ثلاث سنوات فى إعداد مشروع الدستور المطلوب

وقدمته فعلا إلى مجلس الوزراء فى 17 يناير 1955 ، ولكن قيادة الثورة قد رفضت مبدأ مناقشته بحجة أنه نيابى

أكثر مما يجب . ولعل من حقنا أن نتوقف لنسأل أنفسنا ، كم هو حجم السلطة الذى استحوذ عليه عبد الناصر

شخصيا بفضل هذه الترتيبات ، يرتاح البعض إلى اختصار الأمر كله بكلمة واحدة " كل شئ".

ثانيا :

البيروقراطية

حيث اتسمت البيروقراطية فى عهد عبد الناصر بتمركزها ومركزيتها موجة " العسكرة " التى اجتاحتها ، فلقد

حرص عبد الناصر على أن يضرب عصفورين كبيرين بحجر واحد ، أن يتخلص من كل رفاق السلاح القدامى

وكل الضابط الأحرار ، بأن يبعدهم خارج المؤسسة العسكرية ليمنع أية احتمالات للثورة عليه من داخل الجيش

من ناحية ، وان يستخدمهم للسيطرة على مجمل جهاز الحكم والإدارة والإنتاج من ناحية أخرى . وليس لدينا

أى تحيز خاص ضد عملية العسكرة ، فالعسكريون هم ابناء مؤسسة قومية ذات مكانة رفيعة ، وهم ذوى مسلك

منتظم ، وذوى مقدرة إدارية راقية ، لكن ذلك كله أتى فى ظل شعار موجع جدا لكل مدنى ، وهو تفضيل " أهل الثقة "

على " اهل الخبرة ". ثم إنه لم يكن منطقيا أن يتولى عسكرى وزارة التعليم ورئاسة المجلس الأعلى للجامعات

أو وزارة الإصلاح الزراعى . ولعل كلاما كثيراوعبارة ساخرة أطلقها كاتب ومثقف يمينى مرموق هو " عباس العقاد "

تلخص فى اعتقادنا كل شئ ، فقد قال حينما قرأ ان السيد كمال الدين حسين " عسكرى سابق " قد اصبح

رئيسا للجنة الطاقة الذرية ضمن وظائف أخرى كثيرة :" إن الله لن يحاسبنى على ما أفعل ، إذ كيف يحاسبنى

وقد خلقنى فى عصر كمال الدين حسين ". يقول أحد أكثر المدافعين عن عبد الناصر حماسا د . عصمت سيف الدولة : " المؤسسة

العسكرية تصاعدت سلطتها بعد عام 1955 ، واصبحت دولة فوق الدولة ، وامتصت قياداتها مددا لا بأس به

من الدخل القومى ، فأصبح القادة العسكريون من بين قمم الأثرياء ، والمترفين ، والوسطاء فى الصفقات

المدنية والعسكرية ، ففسدوا هم أولا ، وأفسدوا الحياة ثانيا ". ويقول عبد الله جزيلان نائب رئيس وزراء

اليمن " خلال حرب اليمن :" عكست التجربة فى اليمن حقيقة الشلل المتصارعة داخل النظام السياسى المصرى

كان بإمكان المرء أن يميّز جهتين رئيسيتين ، جماعة " ناصر " ، وجماعة " عامر" ، ولأن اليمن كانت

ساحة قتال عسكرى ، كان أمرا طبيعيا أن تكون جماعة " عامر" فى تلك الساحة أقوى ، وقد اعتدت على أن

أحضر إلى القاهرة ، وأجتمع مع عبد الناصر وأحصل على موافقته على بعض المسائل ، إلاّ أننى عند عودتى

لليمن ، ما كنت أجد يدا واحدة مستعدة لتقديم المساعدة ، ومع مرور الوقت ، تعلمت أن على المرء ان يقابل

"عامر" ويقنعه بما يريد ، فقد كان بيد المؤسسة العسكرية سلطة العقد والحل ". وهكذا يتحقق القول العربى

" انقلب السحر على الساحر". عملية الاستقواء بالعسكر ، انقلبت إلى منافسة خطيرة ، أضعفت النظام ، وأربكت

خطاه ، وقادته إلى هزيمة 1967 ، ثم ما بعدها ، بل وفى أحيان كثيرة ، تهدّدت مهابة عبد الناصر نفسه ، وأجبرته

على التراجع أمامها .

ثالثا : المؤسسة السياسية :

كانت قضية العمل السياسى واضحة تماما فى ذهن عبد الناصر ن بقدر ما كانت مفرطة الحساسية ، ففى خضم

صراعاته المتعددة الجوانب ، كان المحور الأساسى عنده ليس الاتفاق على جوهر التوجه العام ، الذى كان منحصرا

فى مسألتين : النضال ضد الاستعمار ، والسعى نحو التوجّه الاجتماعى. لكن الاتفاق على التوجه العام ومساندته

لم يكن بالأمر الهام عند عبد الناصر ، فلقد ساند الشيوعيين - فى اغلبهم - الجوهر والتوجه العام لسياسته واختلفوا

معه فى موضوع الديموقراطية وتعددية الأحزاب السياسية ، ولهذا ، حاربهم عبد الناصر حربا ضارية .

وبدت

الصورة مرتبكة ، نظام يحارب الاستعمار ويتجه اجتماعيا نحو اليسار ، وفى نفس الوقت يوجه ضربات أكثر

من عنيفة ضد اليسار ، بينما يبدى تسامحا غير مبرّر إزاء اليمين وخاصة فى ميدان العمل السياسى . ولكن فكرة

التنظيم الواحد قد قادت بذاتها إلى حالة من تغييب الفارق بين الأصدقاء والأعداء . ولقد تملك وهم الحزب

الواحد وضرورته وحتميته رجال عبد الناصر إلى درجة محاولة القول بأنه ضرورة تاريخية مصرية ، كانت كذلك

وستظل . ترسّخت الأكذوبة حتى تجاسر البعض بمثل هذه الأقوال . وتلخّصت كل مشكلات عبد الناصر وعلاقاته

بالأطراف الأخرى فى مسالة واحدة " الديموقراطية ، وتعدد الأحزاب " ، الخصم منْ يطالب بالديموقراطية

مهما كانت مواقفه الفكرية والاجتماعية ، والحبيب المقرّب هو الذى يقبل أو يدّعى أن يقبل - فى نفاق واضح -

بانتهاك الديموقراطية وبالحزب الواحد . وكان طبيعيا أن يستشعر عبد الناصر الاغتراب حتى داخل صفوف

اتحاده الاشتراكى نفسه ، وكان طبيعيا أن نقرأ التعليق التالى للباحثين السوفيتين السابقين :" إن آثار تجربة

فتح الأبواب على مصراعيها لقبول عضوية جميع الراغبين فى الانضمام إلى الاتحاد الاشتراكى العربى دون

إجراء عملية الفرز اللازمة ، راحت تنعكس بوضوح فى عدم تجانيس الاتحاد ، لقد كان أعضاؤه أناسا متباينين

وفى كثير من الأحيان متضادين فى معتقداتهم السياسية ، ولم تستطع طريقة القبول فى عضوية الاتحاد

الاشتراكى العربى أن تحميه من الرجعيين ، بل وحتى من الأعداء المباشرين - للنظام ،ثم إن الطابع اللاطبقى

للاتحاد الاشتراكى قد فرض سلفا انعدام النشاط العملى للاتحاد ". وفى دراسة أكاديمية أخرى نقرأ العبارة التالية :

" إن أثر الثروة على صنع القرارات السياسية فى مصر قد تضاءل تدريجيا خلال الخمسينيات وطوال

الستينيات ، وذلك

بحكم اتجاه السياسة الاقتصادية ذاتها إلى الحد من دور النشاط الخاص فى القطاع المنظم من الاقتصاد ، وبحكم

أن أصحاب الثروات الكبيرة كانوا يجاهدن لإخفائها خصوصا بعد قرارات التأميم فى بداية الستينيات ، وإنما

الثابت أنهم كانوا يحاولون بوسائل غير ظاهرة ، استخدام ما تبقى لهم من نفوذ فى الحيلولة دون تطبيق بعض

الإجراءات الإصلاحية عليهم ، وقد أثبتت مداولات لجنة تصفية الإقطاع ومحاكمات بعض القيادات العسكرية

الى أيدت المشير عبد الحكيم عامر فى محاولته لاستعادة سلطته بعد 1967 ، أن عناصر هامة فى إدارة المؤسسة

العسكرية وبعض مؤسسات الدولة الأخرى قد كوّنوا ثروات مهمة آنذاك ، ولكن أصحاب الثروات ، والمتعاطفين

معهم فى جهاز الدولة لم يكونوا يؤثرون المعارضة المباشرة لهذه السياسات ، وإنما كانوا يفضلون السعىّ إلى

تجنب تطبيقها فى الواقع ، وتفريغها من مضمونها بقدر الإمكان .".

ولأن الهدف من هذه الكتابة هو التأمل الموضوعى والعلمى ،والمتطلع نحو المستقبل ، فإننا لن نتعرض لما يمكن

تسميته " بالقهر الناصرى " للخصوم ، لن نتعرض إلى السجون ، المعتقلات ، التعذيب ، خنق الآراء المعارضة

السماح بصوت واحد فقط ونغمة واحدة فقط دون باقى الأصوات ودون أية همسة معارضة ، أو حتى عدم الموافقة

الصامتة ، وإعلاء شأن النفاق ، والبطش بأية مصارحة فى إطار نقدى أو شبه نقدى . سنترك كل هذا فقد جرى

الحديث عنه طويلا ،ربما من هؤلاء الذين عاشوا فى نعيم نفاق للناصرية ، ثم عادوا ليلبسوا ثياب الدفاع

عما أسهموا فى انتهاكه . لقد رفضت الناصرية أى نقد ، بناء أو غير بناء ، صديق او عدو ، صريح أو خافت ،

وانتهى الأمر بأن ضخّت فى سجونها ومعتقلاتها باشوات قدامى لم يقاوم أيا منهم ولوباقل قدر ما حلّ به ولكن

بسبب ان أفلتت منه همسا لمحة غاضبة ، ضمت المعتقلات ، رجعيين ، تقدميين ، يساريين ، يمينيين ، عسكريين

من رفاق مسيرة يوليو ، شيوعيين ، إخوان مسلمين ، نقابيين ، مفكرين ، كل الاتجاهات وكل الأصناف يجمعها

خيط واحد هو ، النقد أو محاولة النقد أو الهمس .

" انتهى تلخيص فصل الناصرية الأسطورة والواقع ".



Saturday, July 14, 2007

" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "
محمد بن عبد الله
نبى الإسلام

Friday, July 06, 2007

سورة تبارك من القرآن الكريم


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

" تبارك الذى بيده المُلك ، وهو على كل شئ قدير ، الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم ، أيّكم أحسن عملا

، وهو العزيز الغفور، الذى خلق سبع سماوات طباقا ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت ، فارجع البصر

هل ترى من فطور ، ثم ارجع البصر كرّتين ، ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير . ولقد زيّنا السماء الدنيا

بمصابيح ، وجعلناها رجوما للشياطين ، وأعتدنا لهم عذاب السعير ، وللذين كفروا بربهم عذاب جهنّم وبئس

المصير ، إذا أُقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهى تفور ، تكاد تميّز من الغيظ ، كلّما أُلقى فيها فوج ، سألهم خزنتها

، ألم يأتكم نذير ، قالوا بلى ، قد جاءنا نذير ، فكذّبنا وقُلنا ما أنزل الله من شئ ، إن أنتم إلاّ فى ضلال كبير .

وقالوا لو كنّا نسمع أو نعقل ، ما كنّا فى أصحاب السعير ، فاعترفوا بذنبهم ، فسحقا لأصحاب السعير ، إنّ

الذين يخشون ربهم بالغيب ، لهم مغفرة وأجر كبير ، وأسرّوا قولكم أو اجهروا به ، إنّه عليم بذات الصدور

ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ، هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا ، فامشوا فى مناكبها ، وكلوا من رزقه

وإليه النشور. ءأمنتم من فى السماء أن يخسف بكم الأرض ، فإذا هى تمور ، أم أمنتم من فى السماء أن

يُرسل عليكم حاصبا ، فستعلمون كيف نذير ، ولقد كذّب الذين من قبلهم فكيف كان نكير . أولم يروْا إلى الطّير

فوقهم صافات ويقبضن ، ما يُمسكهنّ إلاّ الرحمن ، إنه بكل شئ بصير ، أمّن هذا الذى هو جُند لكم ينصركم

من دون الرحمن ، إنْ الكافرون إلاّ فى غرور. أمّن هذا الذى يرزقكم إنْ أمسك رزقه ، بل لجّوا فى عُتو ونُفور.

أفمن يمشى مُكبّا على وجهه أهدى ، أمّن يمشى سويا على صراط مستقيم ، قل هو الذى أنشأكم ، وجعل

لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ، قُل هو الذى ذرأكم فى الأرض ، وإليه تُحشرون . ويقولون

متى هذا الوعد إنْ كنتم صادقين ، قُل إنما العلم عند الله ، وإنما أنا نذير مبين ، فلمّا رأوه زُلفة سيئت وجوه

الذين كفروا ، وقيل هذا الذى كنتم به تدّعون ، قُل أرأيتم إن أهلكنى الله ومنْ معى أو رحمنا ، فمن يُجير الكافرين

من عذاب أليم ، قُل هو الرحمن آمنّا به ، وعليه توكّلنا ، فستعلمون منْ هو فى ضلال مبين ، قُل أرأيتم إنْ

أصبح ماؤكم غوْرا ، فمن يأتيكم بماء معين .

" صدق الله العظيم "