Thursday, December 14, 2006

الإسلام والحكم - نظرية الاستخلاف البشرى تدحض مزاعم نظرية العقد الاجتماعى لروسو


تم نشر هذا المقال بمجلة التبيان، التى تصدر عن الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة، رمضان 1426
ينطلق الفكر الليبرالى الذى يعلى من شأن الفرد حريته على حساب
المجتمع وقيوده من نظرية " العقد الاجتماعى" لجان جاك روسو ،
والذى يحاول فيها تفسير نشأة الحكومات وقيام الدول على أن الأمر فى
حقيقته كان انعزال كل فرد عن الآخرين متمتعا بكل الحرية التى يريدها ،
ثم يقرر الأفراد المنعزلون أن يجتمعوا معا فى مقابل أن يتنازل كل فرد
عن جزء من حريته للحاكم أو السلطان فى مقابل توفير الحماية والأمن من الأخير ، ومن ثم فإن الأمر فى اجتماع البشر وقيام الدول يشبه
العقد ، إلا أنه اجتماعى ، ومن هذه النظرية ينطلق كذلك مفهوم الاقتصاد الحر الذى يدع كل شئ لآليات العرض والطلب ضاربا على أيدى
الحكومات حتى لا تتدخل تاركة كل شخص يفعل ما يريد ويكسب كيف يشاء وكيفما يستطيع ، دون ضوابط دينية أو أخلاقية إلا فى النزر
اليسير ، وذلك بدعوى أن الاقتصاد الحر هو تعويض للإنسان عن ذلك الجزء من الحرية الذى يتنازل عنه حين أبرم العقد الاجتماعى ، الأمر
الذى أدى بدوره إلى تراكم الثروات لدى فئة محدودة وازدياد الهوة لتصبح سحيقة بين الأغنياء والفقراء ، وظهور المفاسد الاجتماعية وتردى
القيم فى سبيل الحصول على المال بأية طريقة ، فأصبح الأمر نزاعا بدلا من أن يكون اجتماعا
إن الفكر الإسلامى يقدم لنا أطروحة حقيقة الوجود الإنسانى وقيام الدول ووظيفة الحاكم ، بما ينفى هذا الزعم القاسى للإنسانية ، ميعدا
الأمور إلى نصابها ، وتقوم نظرية " الاستخلاف البشرى " على :
أولا : النفس البشرية واحدة ، وليست نفوسا متعددة منعزلة ، كما فى قوله تعالى :" وهو الذى أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع
، قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون" الأنعام 98
ثانيا: الإنسان خليفة الله فى الأرض ، وليس روحا طارئة ، جاءت بالصدفة ، كما فى قوله تعالى :" وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى
الأرض خليفة ، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، قال إنى أعلم ما لا تعلمون " البقرة 30
ثالثا: خلافة الإنسان فى الأرض ، لاختبار سلوكه أمام الله تعالى ، كما فى قوله سبحانه :" وهو الذى جعلكم خلائف الأرض ،
ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فى ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم " الأنعام 165
رابعا: دور الدولة والحاكم لا ليصون حرية الفرد ، ولكن ليكون قدوة فى الحق والعدل باتباع أوامر الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
كما فى قوله تعالى :" يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ، فإن تنازعتم فى شئ فردوه إلى الله والرسول
إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، ذلك خير وأحسن تأويلا" النساء 59
خامسا: قدرة الله تعالى على إبدال البشر بآخرين ، فالأرض ليست مرتعا للنفوذ والسلطان ، ولكن أمانة ومسئولية أمام الله تعالى كما فى
قوله تعالى :" وربك الغنى ذو الرحمة ، إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء ، كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين " الأنعام 133
سادسا: البشر فى صراع واجتماع وليس انفصال منذ بدء الخليقة ، كما فى قوله تعالى :"قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم
فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين" الأعراف 24
سابعا: حقيقة الإنسان مهما كان قويا وغنيا فى قوله تعالى :" ولا تمش فى الأرض مرحا ، إنك لن تخرق الأرض ، ولن تبلغ
الجبال طولا" الإسراء 37
ومما سبق :
تظهر نتيجتان مهمتان لنظرية " الاستخلاف البشرى " ، هما :
الأولى: النموذج السياسى للحكم فى الدولة الإسلامية كما هو موضح فى أعلى الشاشة
الثانية : نتيجة معرفة أن الأفراد ما كانوا أبدا منعزلين ، وأن الحاكم هو قدوة للحق والعدل ، فتظهر بالتبعية نظرية " المذهب التكافلى "
فى الاقتصاد الإسلامى الذى يستحق أن ينفرد بدوره بنظرية اقتصادية تقف فى مواجهة المذهب الرأسمالى أو الشيوعى أو الاشتراكى ، حيث
إن السمة الرئيسية للاقتصاد الإسلامى هى التكافل الاجتماعى ، وهذا يمكن مناقشته تفصيلا لاحقا بإذن الله تعالى
وإلى لقاء قريب عزيزى المتصفح الكريم

1 Comments:

Blogger minesweeper76 said...

ما زلت لا أرى العلاقة بين العقد الاجتماعي و الاقتصاد الحر. كما ذكرتي، نظرية روسو تؤسس لبناء المجتمع على مجموعة من الحقوق و الواجبات تنتقص من حرية الفرد في سبيل مصلحة الجماعة. و بالتالي للمجتمع ككيان حرية اختيار الإطار الاقتصادي الذي يحكم معاملاته التجارية.

لا أرى أيضا أي تعارض بين خلافة الإنسان في الأرض و نظرية روسو. كلنا لآدم، و لكن لسنا جميعا نفسا بشرية واحدة. قال تعالى: "كل امرئ بما كسب رهين" (الطور - 21). هذه التعددية لم تأتي مصادفة، و إنما هي من حكمة الله عز و جل في خلقه، قال تعالى: "و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا" (الحجرات - 13).

و بالتالي فأعتقد أن الإسلام لم يحدد نظاما سياسيا أو اقتصاديا معينا، و إنما حدد المبادئ التي يجب أن تتم على أساسها المعاملات الإنسانية، و بالتالي فأي نظام اقتصادي أو سياسي لا يتناقض مع تلك المبادئ سيكون مناسبا للمجتمعات الإسلامية. ذلك هو ما توصل إليه الشيخ على عبد الرازق في كتابه "الإسلام و نظام الحكم"، و الذي طُرد للأسف من الأزهر بسببه.

8:45 AM  

Post a Comment

<< Home